قوله: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، أي والله لقد أرسلنا الخ. قوله: (الملائكة إلى الأنبياء) تبع في ذلك الزمخشري، ولم يسبقه إليه أحد، والحامل له على ذلك التفسير تصحيح المعية في قوله: ﴿ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ لأن الكتب إنما تنزل مع الملائكة، والمناسب أن يفسر الرسل بالبشر، كما عليه الجمهور، لأنه لم ينزل بالكتب والأحكام على الرسل إلا جبريل فقط، وحينئذ فقوله: ﴿ مَعَهُمُ ﴾ ظرف متعلق بمحذوف حال منتظرة، والتقدير: وأنزلنا الكتاب حال كونه آيلاً وصائراً لأن يكون معهم إذا وصل إليهم، أو مع بمعنى إلى. قوله: (العدل) أي فليس المراد بالميزان حقيقته فقط بل ما يشمله وغيره والمراد بالعدل التوسط في الأمور، فلا يحصل منهم تفريط ولا إفراط. قوله: ﴿ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ ﴾ علة لإرسال الرسل وإنزال الكتاب والميزان. قوله: (أخرجناه من المعادن) هذا أحد قولين في تفسير الإنزال، والآخر إبقاؤه على حقيقته، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل آدم من الجنة معه خمسة أشياء من حديد، وروي من آلة الحدادين: السندان والكلبتان الميقعة والمطرقة والإبرة، وروي ومعه المبرد والمسحاة، وروي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنزل الله تعالى أربع بركات من السماء: الحديد والنار والماء والملح ". وعن ابن عباس أيضاً قال: أنزل الله ثلاثة أشياء مع آدم: الحجر الأسود، وعصا موسى والحديد اهـ والسندان بكسر السين وفتحها، والكلبتان آلة يؤخذ بها الحديد المحمى، والميقعة المبرد. قوله: ﴿ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ الجملة حالية من ﴿ ٱلْحَدِيدَ ﴾.
قوله: (يقاتل به) أي فمنه الترس ومنه السلاح ونحو ذلك. قوله: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ أي فما من صنعة إلا والحديد له دخل في آلتها. قوله: (علم مشاهدة) أي للخلق، والمعنى ليظهر متعلق علمه لعباده، فاندفع ما يقال: إن هذا التعليل يوهم حدوث العلم مع أنه قديم. قوله: (معطوف على ليقوم) أي لكن المعطوف عليه علة للإرسال والإنزال، والمعطوف علة لإنزال الحديد، وفي الحقيقة قوله ليعلم علة للثلاثة. قوله: (بآلات الحرب) الخ، إنما خص النصر بذلك، لكون المقام والسياق يقتضيه. قوله: (من هاء ينصره) أي الواقعة على الله تعالى. قوله: (غائباً عنهم) أي متحجباً بجلاله وعظمته. قوله: (ولا ينصرونه) أي في الدنيا، فإن رؤيته تعالى في الدنيا لم تثبت إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (لا حاجة له إلا النصرة) أي وإنما هو سعادة لمن يحصل النصر على يديه، وشقاوة لمن لم يحصل. قوله: (لكنها تنفع من يأتي بها) أي فنفع التكاليف عائد على ذوات المكلفين، قال تعالى:﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ ﴾[الإسراء: ٧].
قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً ﴾ الخ معطوف على قوله: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾ وكرر القسم إظهاراً لمزيد الاعتناء والتعظيم، وخص هذين الرسولين بالذكر، لأن جميع الأنبياء من ذريتهما، وذلك لأن نوحاً هو الأب الثاني لجميع البشر، وإبراهيم أبو العرب والروم وبني إسرائيل. قوله: (يعني الكتب الأربعة) أشار بذلك إلى أن أل في الكتاب للجنس. وخص هذه الأربعة لأنها أصول الكتب. قوله: (والفرقان) في نسخة القرآن. قوله: ﴿ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ ﴾ أي من الذرية، أو من المرسل إليهم. قوله: ﴿ فَاسِقُونَ ﴾ أي كافرون بدليل مقابلته بالمهتد.