قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ الخ، لما قدم أن أمة عيسى بعد رفعه إلى السماء افترقوا، فمنهم من تمسك بالرهبانية الصحيحة وداموا عليها، إلى أن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه ممن غير وبدل، شرع يبين المطلوب منهم بعد ظهوره صلى الله عليه وسلم، قوله: ﴿ ءَامَنُو ﴾ (بعيسى) هذا أحد قولين للمفسر؛ ويشهد له سياق الكلام، والثاني: أن الخطاب عام لكل من آمن بالرسل المتقدمين، فيشمل المؤمنين بعيسى وبمن قبله من الرسل، إن قلت إن هذا ظاهر فيمن كانت ملتهم صحيحة، فنسخت بملة محمد صلى الله عليه وسلم، أما فيمن نسخت ملته بملة عيسى كاليهود؛ فلا تظهر إثابتهم على التمسك بها. أجيب: بأن إثباتهم على تلك الملة المنسوخة. من خصائص دخولهم في ملة الإسلام. ولذا كان الإسلام يصحح أنكحتهم الفاسدة. قوله: ﴿ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه. قوله: ﴿ يُؤْتِكُمْ ﴾ أي يثبكم على اتباعه. قوله: ﴿ كِفْلَيْنِ ﴾ تثنية كفل، وهو في الأصل كساء يعقد على ظهر البعير، فيلقى مقدمه على الكاهل، ومؤخره على العجز، يحفظ الراكب ويمنعه من السقوط، والمراد هنا نصيبان عظيمان من الرحمة، يمنعان الشخص من العذاب، كما يمنع الكفل الراكب ويمنعه من السقوط، وهذان الكفلان لا يخصان من ذكر، بل ورد في الحديث:" ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك الذي أدى حق مواليه وحق الله، ورجل كانت عنده أمة يطؤها، فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران ". قوله: (لإيمانكم بالنبيين) أي فاستحقاقهم الكفلين ظاهر، لأنهم آمنوا بعيسى، واستمروا على دينه إلى أن بعث نبينا عليه الصلاة والسلام فآمنوا به، فكفل لإيمانهم بعيسى، وكفل لإيمانهم بنبينا. قوله: ﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً ﴾ قيل: هو القرآن، وقيل: هو الهدى والسبيل الواضح في الدين. قوله: ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ أ ي ما سبق من ذنبوكم قبل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.