قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ ﴾ الخ، لما نهى الله تعالى المؤمنين عما يكون سبباً للتباغض والتنافر، وهو التناجي بالإثم والعدون ومعصية الرسول، أمرهم الآن بما يكون سبباً لزيادة المحبة والمودة. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ ﴾ الخ، وسبب نزولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس منهم يوماً وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه، فرد عليهما السلام، ثم سلموا على القوم، فردوا عليهم السلام، ثم سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليهم، ثم سلموا على القوم، فردوا عليهم، ثم قاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فلم يفسحوا، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان وأنت يا فلان، فأقام من المجلس بقدر أولئك النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهة في وجوههم، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وذلك أنه دخل المسجد، وقد أخذ القوم مجالسهم، وكان يريد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم للصمم الذي كان في أذنيه، فوسعوا له حتى قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضايقه بعضهم، وجرى بينه وبينهم كلام، فنزلت. وعلى كل حال، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيتناول أي مجلس كان، سواء كان مجلس علم أو ذكر أو صلاة أو قتال أو غير ذلك، لما ورد:" لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلسه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا، ولا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة، ولكن ليقل: افسحوا "وقوله في الحديث" لا يقيمن أحدكم "الخ، استفيد منه أن القادم لا يقيم الجالس، وأما قيام الجالس من نفسه له، تواضعاً وأدباً، أو كبير المجلس يقيم أحداً من الجالسين لمصلحة، فلا بأس بذلك. قوله: (مجلس النبي) أي فإنهم كانوا يتضامنون فيه، حرصاً على القرب منه واستماع كلامه. قوله: (وفي قراءة المجالس) أي والجمع باعتبار أن لكل واحد مجلساً، والقراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ﴾ مجزوم في جواب الأمر الواقع جواباً للشرط. قوله: (في الجنة) أي والدنيا والقبر والقيامة. قوله: (وغيرها) أي كالجهاد وكل خير، وقيل: معنى انشزوا ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم، قيل: كان رجال يتثاقلون عن الصلاة في الجماعة إذا نودي لها، فنزلت هذه الآية، والمقصود العموم في كل ما يطلب فيه النهوض والإسراع، ففيه حثّ على التشمير عن ساعد الجد والاجتهاد في الطاعات وترك التكاسل. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً، وكلامها لغتان فصيحتان، من بابي ضرب ونصر. قوله: (في ذلك) أي القيام إلى الصلاة ونحوها. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ معطوف على ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ عطف خاص على عام، لأن الذين أوتوا العلم بعض المؤمنين، لكن لما جمع العلماء بين العلم والعمل، استحقوا رفع درجات والاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم.


الصفحة التالية
Icon