قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً ﴾ الخ، المقصود من هذه الآية، التعجب من حال المنافقين الذين كانوا يتخذون اليهود أولياء، ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين. وسبب نزولها:" أن عبد الله بن نبتل المنافق. كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفع حديثه إلى اليهود، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره إذ قال: يدخل عليكم اليوم رجل قلبه قلب جبار، وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن بنتل، وكان أزرق العين، فقال له النبي صلى الله عليه سلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت هذه الآية ". قوله: ﴿ مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ ﴾ إخبار عنهم بأنهم ليسوا من المؤمنين الخلص، ولا من الكافرين الخلص، لا ينتسبون إلا هؤلاء وإلا إلى هؤلاء، وهذه الجملة إما مستأنفة أو حال من فاعل ﴿ تَوَلَّوْاْ ﴾.
قوله: (بل هم مذبذبون) أي مترددون بين الإيمان الخالص والكفر الخالص، لأن فيهم طرفاً من الإيمان بحسب ظاهرهم، وطرفاً من الكفر بحسب باطنهم. قوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يَحْلِفُونَ ﴾ والمعنى: يحلفون كاذبين، والحال أنهم يعلمون ذلك، فيمينهم غموس لا عذر لهم فيها، وهذه اليمين توجب لصاحبها الغمس في النار، إن كان مؤمناً خالصاً، فما بالك إن كان كافراً؟ وفائدة الإخبار عنهم بذلك، بيان ذمهم عليه. قوله: ﴿ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ مفعولان لا تخذوا، والمعنى: جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية لأنفسهم وأموالهم، فلولا ذلك لقوتلوا وأخذ مالهم. قوله: ﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ أي في الآخرة، والعذاب الأول في الدنيا أو القبر. قوله: (من عذابه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: ﴿ شَيْئاً ﴾ مفعول مطلق كما أشار له بقوله: (من الأغناء). قوله: ﴿ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ﴾ أي في الدنيا. قوله: ﴿ وَيَحْسَبُونَ ﴾ حال من فاعل ﴿ يَحْلِفُونَ ﴾ والمعنى يحلفون، والحال أنهم يظنون أن حلفهم في الآخرة ينفعهم وينجيهم من عذابها، كما نفعهم في الدنيا بدفع القتال عنهم. قوله: ﴿ ٱسْتَحْوَذَ ﴾ هذا الفعل مما جاء على الأصل وخولف فيه القياس، إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفاً، كاستعاذ واستقام. قوله: ﴿ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ ﴾ أي فلا يذكرونه بألسنتهم ولا بقلوبهم، وما يقع منهم من صورة الذكر باللسان فهو كذب. قوله: ﴿ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾ أي لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم الدائم، وعرضوها للعذاب المقيم. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ ﴾ أي مع الأذلين، أو معدودون في جملتهم. قوله: (المغلوبين) أي وهم الكفار والمنافقون.