قوله: ﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ﴾ ببيان لمصرف الفيء إثر بيان رده على رسول الله، وحذف الواو من هذه الجملة، لأنها بيان للأولى، فهي غير أجنبية منها. قوله: (كالصفراء) الخ، أي وأرض قريظة والنضير وهما بالمدينة، وفدك وهي على ثلاثة أميال من المدينة، وقرى عرينة وينبع. قوله: ﴿ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ اختلف في قسم الفيء، فقيل: يسدس لظاهر الآية، ويصرف سهم الله في عمارة الكعبة وسائر المساجد، وقيل: يخمس للخمسة المذكورين، وذكر الله للتعظيم. وفي القرطبي: وقال قوم منهم الشافعي: إن معنى الآيتين أن ما هنا والأنفال واحد، أي ما حصل من أموال الكفار بغير قتال، قسم على خمسة أسهم، أربعة منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، لأنهم منعوا الصدقة، فجعل لهم حق في الفيء، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، وأما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذي كان من الفيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف عند الشافعي في قول إلى المجاهدين المرصدين للقتال في الثغور، لأنهم قائمون مقام الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي قول آخر له: يصرف إلى مصالح المسلمين، من سد الثغور، وحفر الأنهار، وبناء القناطر، يقدم الأهم فالأهم، وهذا في أربعة أخماس الفيء، فأما السهم الذي كان من خمس الفيء والغنيمة، فهو لمصالح المسلمين بعد موته صلى الله عليه وسلم بلا خلاف، كما قال عليه الصلاة والسلام:" ليس في من غنائمكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم "اهـ. وقالت المالكية: لا خلاف في أن الغنيمة تخمس، وأما ما انجلى عنه أهله دون قتال فلا يخمس، ويصرف في مصالح المسلمين باجتهاد الإمام، ومثله جميع ما كان محله بيت المال، وليس معنى الآيتين واحداً، بل آية الأنفال فيما أوجف عليه، وما هنا فيما لم يوجف عليه، وقوله: ﴿ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ الخ، ليس المقصود منه التخميس، وإنما المقصود التعميم باجتهاد الإمام فتدبر. قوله: (من بني هاشم وبني المطلب) هذا مذهب الشافعي، وعند مالك لآل بني هاشم فقط. قوله: ﴿ وَٱلْمَسَاكِينِ ﴾ المراد بهم ما يشمل الفقراء. قوله: (المنقطع في سفره) أي والمحتاج ولو غنياً ببلده. قوله: (أي يستحقه النبي) الخ، إنما لم يقل الله، والنبي إشارة إلى أن ذكر اسم الله للتعظيم والتبرك على التحقيق، وظاهر الآية أن الفيء يخمس خمسة أخماس، وأن للنبي خمسة وليس مراداً، بل التخميس إنما هو للخمس لا للمال من أصله، فالاشتراك المذكور إنما هو في الخمس، وتقدم أن ذلك مذهب الشافعي، وأما عند مالك فلا تخميس، وإنما النظر فيه للإمام. قوله: ﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ ﴾ الخ.
﴿ كَيْ ﴾ ترسم هنا مفصولة من ﴿ لاَ ﴾.
قوله: (بمعنى اللام) أي لا التعليل، والمعلل ما يستفاد مما سبق، أي جعل الله الفيء لمن ذكر لأجل ألا يكون لو ترك على عادة الجاهلية دولة أي يتداوله الأغنياء، كل من غلب منهم أخذه واستأثر به، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا غنموا غنيمة، أخذ الرئيس ربعها لنفسه، ثم يصطفي بعد أخذ الربع منها ما شاء، فنسخ هذا الأمر، وجعله الله يصرف في مصالح المسلمين على الوجه المتقدم. قوله: (وأن مقدرة بعدها) أي فالنصب بأن لا بها. قوله: ﴿ يَكُونَ ﴾ أي الفيء فيكون ناقصة اسمها ضمير يعود على الفيء، و ﴿ دُولَةً ﴾ خبرها، وعلى هذه القراءة يكون بالتحتية لا غير، وقرئ أيضاً برفع ﴿ دُولَةً ﴾ على أن كان تامة مع التحتية والفوقية من يكون، فالقراءات ثلاث سبعيات. قوله: ﴿ دُولَةً ﴾ التداول حصول الشيء في يد هذا تارة وهذا أخرى، والاسم الدولة بفتح الدال وضمها، وجمع المفتوح دول كقصعة وقصع، وجمع المضموم دول مثل غرفة وغرف، ومعناهما واحد، وقيل: الدولة بالضم في المال، وبالفتح في الحرب. قوله: ﴿ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ الخ، أي ما أعطاكم من مال الغنيمة، وما نهاكم عنه من الأخذ والقول فانتهوا، وقيل في تفسيرها: من آتاكم من طاعتي فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه، فالآية محمولة على العموم في جميع أوامره ونواهيه، لأنه لا يأمر إلا بالإصلاح، ولا ينهى إلا عن فساد، فنتج من هذه الآية، أن كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمر من الله، وأن كل ما نهى عنه النبي نهى من الله، فقد جمعت أمور الدين كما هو معلوم. قوله: (متعلق بمحذوف) الخ، أي القصد منه التعجب والمدح للمهاجرين الذين اتصفوا بتلك الصفات. قوله: (أي اعجبوا) أي تعجبوا من حال المهاجرين، حيث تنزهوا عن الديار والأموال، وتركوا ذلك ابتغاء وجه الله تعالى. قوله: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ﴾ أي أخرجهم كفار مكة. قوله: ﴿ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾ عطف على ﴿ دِيَارِهِمْ ﴾ وعبره فيه بالخروج، لأن المال لما كان يستر صاحبه كان كأنه ظرف له. قوله: ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً ﴾ الخ، الجملة حالية، والمعنى: طالبين الرزق من الله، لإعراضهم عن أملاكهم الدنيوية، ومرضاة الله تعالى في الآخرة. قوله: ﴿ وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ عطف على قوله: ﴿ يَبْتَغُونَ ﴾ فهو حال أيضاً لكنها مقدرة، أي ناوين النصرة، إذ وقت خروجهم لم تكن نصرة بالفعل. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ ﴾ أي الخالصون في إيمانهم، حث اختاروا الإسلام. وخرجوا عن الديار والأموال والعشائر، حتى روي: أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه، ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء، ما له دثار غيرها، وفي الحديث:" إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً ".


الصفحة التالية
Icon