قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ ﴾ الخ، شروع في الثناء على الأنصار، إثر بيان الثناء على المهاجرين، والموصول إما معطوف على الفقراء فيكون من عطف المفردات، وقوله: وَ ﴿ يُحِبُّونَ ﴾ الخ، حال أو مبتدأ، وجملة ﴿ يُحِبُّونَ ﴾ خبره. قوله: (أي المدينة) أي اتخذوا منزلاً بإسلامهم من قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، فعصموها وحفظوها بالإسلام، فكأنهم استحدثوا بناءها. قوله: (أي القوة) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ وَٱلإِيمَانَ ﴾ معمول لمحذوف ويكون من عطف الجمل، إذ لا معنى لتبوؤا الإيمان، وهذا أحد الوجوه الجارية في قوله: علفتها تبناً وماء بارداً، أو ضمن ﴿ تَبَوَّءُوا ﴾ معنى لزموا. والمعنى: لزموا الدار والإيمان، أو شبه تمكنهم في الإيمان باتخاذه منزلاً، ففيه جمع بين الحقيقة والمجاز. قوله: ﴿ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ ﴾ أي نفوسهم. قوله: (حسداً) أي ولا غيظاً ولا حزازة، فالمراد بالحاجة هذه المعاني، روي" أن المهاجرين كانوا في دور الأنصار، فلما غنم صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير، دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين، من إنزالهم إياهم منازلهم، وإشراكهم إياهم في الأموال، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علي من بني النضير بينكم وبينهم، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دياركم، فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا، فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار "وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا الثلاثة المتقدم ذكرهم. قوله: (أي أتى النبي) بيان للفاعل المحذوف، وقوله: (المهاجرين) بيان للمفعول القائم مقام الفاعل، وقوله: (من أموال بني النضير) بيان لما. قوله: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي في كل شيء من أسباب المعاش، حتى إن من كان عنده امرأتان، كان ينزل عن احداهما، ويزوجها واحداً من المهاجرين، والإيثار تقديم الغير على النفس، وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وغاية المحبة والصبر على المشقة. قوله: ﴿ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ أي يقدمون غيرهم في الأموال مع احتياجهم اليها، وهذا الوصف لا يخص الأنصار، فقد روي عن ابن عمر أنه قال: اهدي لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا، فبعثه اليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر، حتى تداولها سبعة أبيات، ثم عادت إلى الأول، فنزل هذه الآية. روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرة ثم قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم امكث عنده في البيت حتى تنظر ما يصنع بها، فذهب بها الغلام اليه وقال له: يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: وصله الله ورحمه ثم قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى فقدها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، ووجده قد ربط مثلها إلى معاذ بن جبل، فقال: اذهب بها اليه، وامكث في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها اليه وقال له: يقول لك أمير المؤمنين، اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، فجاءت امرأة معاذ وقالت: نحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما اليها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك وقال: إنهم أخوة بعضهم من بعض، ونحو عن عائشة وغيرها. قوله: ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾ ﴿ مَن ﴾ شرطية و ﴿ يُوقَ ﴾ فعل الشرط، وقوله: ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ ﴾ الخ جزاؤه، وهو كلام عام قصد به التنبيه على ذم الشح، وفي قوله: ﴿ يُوقَ ﴾ إشارة إلى أن الشح أمر غريزي في الإنسان، لا ينجو منه الشخص إلا بمعونة الله تعالى، مع مجاهدة النفس ومكابدتها. قوله: (حرصها على المال) فيه إشارة إلى الفرق بين البخل والشح، فالبخل منع الأموال، والشح صفة راسخة يصعب معها على الرجل تأتي المعروف وتعاطي مكارم الأخلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً ". وقال ابن عمر: ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، إنما الشح أن تطمح عين الرجل فيما ليس له. وقال بعضهم: من لم يأخذ شيئاً نهاه الله عن أخذه، ولم يمنع شيئاً أمر الله بإعطائه، فقد وقاه الله شح نفسه. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ جَآءُوا ﴾ إما معطوف على الفقراء، وقوله: ﴿ يَقُولُونَ ﴾ حال أو مبتدأ، وجملة ﴿ يَقُولُونَ ﴾ خبره. قوله: (من بعد المهاجرين والأنصار) أي من بعد هجرة المهاجرين وإيمان الأنصار. قوله: (إلى يوم القيامة) أي فالعبدية تشمل التابعين وأتباعهم إلى آخر الزمان. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ ﴾ أي بالموت عليه، فينبغي لكل واحد من القائلين لهذا القول، أن يقصد بمن سبقه من انتقل قبله، من زمنه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل جميع من تقدمه من المسلمين، لا خصوص المهاجرين والأنصار. قوله: (حقداً) هو الانطواء على العداوة والبغضاء. قوله: ﴿ رَءُوفٌ ﴾ بقصر الهمزة ومدها بحيث يتولد منها، وقراءتان سبعيتان.