قوله: ﴿ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ خبر مبتدأ محذوف قدره بقوله: (مثلهم) أي صفة بني النضير العجيبة التي تقع لهم من الاجلاء والذل، كصفة أهل مكة فيما وقع لهم يوم بدر من الهزيمة والأسر والقتل، فكل حصل له خزي الدنيا وعذاب الآخرة. قوله: (بزمن قريب) أي وبين وقعة بدر ووقعة بني النضير، وهو سنة ونصف، لما تقدم أن غزوة بني النضير كانت في ربيع الأول من السنة الرابعة، وغزوة بدر كانت في رمضان من الثانية. قوله: (مثلهم أيضاً) أي صفة بني النضير، وقوله: (في سماعهم) ببان المثل، وقوله: (وتخلفهم) أي تخلف المنافقين عنهم، وقوله: ﴿ كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ المراد به حقيقته لا شيطان الإنس، وقوله: ﴿ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ ﴾ بيان لمثل الشيطان، وبالجملة فقد ضرب الله لهم مثلين: الأول بكفار مكة الذين اغتروا بعددهم وعددهم وحضروا بدراً فكانت الدائرة عليهم، والثاني من حيث اغترارهم بكلام المنافقين لهم ومخالفتهم لهم، بإغراء الشيطان لإنسان معين على الكفر، حتى أوقعه فيه ومات عليه ثم تبرأ منه. قوله: ﴿ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ﴾ المراد به برصيصا العابد، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الانسان الذي قال له الشيطان راهب، نزلت عنده امرأة أصابها لمم ليدعو لها، فزين له الشيطان ووطئها فحملت ثم قتلها خوفاً من أن يفتضح، فدل الشيطان قومها على موضعها، فجاؤوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه، فجاءه الشيطان فوعده إن سجد له أن ينجيه منه، فسجد له فتبرأ منه "وقصته مبسوطة في الشبرخيتي على الأربعين، في شرح الحديث الرابع، فانظرها إن شئت. قوله: (كذباً منه ورياء) أي قوله هذا كذب منه ورياء، لأنه لا يخاف الله أبداً. قوله: (أي الغاوي) اسم فاعل من غوى يغوي كرمى يرمي، والمراد به الانسان الذي غره الشيطان وقوله: (والمغوي) اسم فاعل أيضاً من أغواه يغويه وهو الشيطان. قوله: (وقرئ بالرفع) أي شاذاً. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ الخ لما ذكر صفات كل من المنافقين واليهود، وما آل اليه أمرهم، وعظ المؤمنين بموعظة حسنة، تحذيراً من أن يكونوا مثل من تقدم ذكرهم، وذلك أوقع في النفس. قوله: ﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ ﴾ اللام لام الأمر، والحكمة في التنكير، الاشارة إلى أن الأنفس الناظرة لمعادها المعتبرة بغيرها قليلة جداً عديمة المثيل. قوله: ﴿ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ ﴿ مَّا ﴾ اسم موصول، و ﴿ قَدَّمَتْ ﴾ صلته، والمعنى ولتبحث وتحصل نفس العمل الذي قدمته لغد، وذلك لأن جميع ما تعلمه في الدنيا ترى جزاءه في القيامة، فليختر العاقل أي الجزاءين، لما ورد في الحديث:" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ". قوله: (ليوم القيامة) سمي غداً لقرب مجيئه، قال تعالى:﴿ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ ﴾[النحل: ٧٧] فكأنه لقربه شبيه بما ليس بينه وبينه إلا ليلة واحدة، والتنكير في غد للتعظيم والايهام، كأنه قيل: لغد لا تعرف النفس كنه عظمته وهوله. قوله: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ كرره للتأكيد، أو الأول إشارة للأمر بأصل التقوى، والثاني للأمر بالدوام عليها. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ الخبير المطلع على خفيات الأشياء؛ القادر على الاخبار بما عجزت عنه المخلوقات، وقوله: ﴿ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ أي من خير وشر. قوله: (تركوا طاعته) أشار بذلك إلى أن المراد بالنسيان الترك، وليس المراد به عدم الحفظ والذكر. قوله: (أن يقدموا بها خيراً) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير: فأنساهم تقديم خبر لأنفسهم، فثمرة نسيانهم الله نسيان أنفسهم، أي فترك حقوق الله خسرانهم، وهو نظير قوله تعالى:﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾[الإسراء: ٧]،﴿ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ﴾[محمد: ٣٨]،﴿ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾[الروم: ٤٤] لأنه المستغنى عن كل ما سواه.