قوله: ﴿ لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ ﴾ أي الذين نسوا الله، فاستحقوا الخلود في النار. قوله: ﴿ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ ﴾ أي الذين اتقوا الله، فاستحقوا الخلود في الجنة. قوله: ﴿ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ ﴾ هذا كالتذليل لقوله:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾[الحشر: ١٨] الخ، وذلك لأن الله تعالى، لما أمر المؤمنين بالتقوى والنظر في العواقب والعمل النافع، ونهاهم عن الغفلة والتشبيه بمن نسي طاعة الله، ذيله بما يرغبهم في طاعة الله ويقربهم اليه زلفى. قوله: (وجعل فيه تمييز كالانسان) المقصود من هذا الكلام، التنبيه على قساوة قلوب الكفار وغلظ طبائعهم، وفيه رمز لمن قل خشوعه عند تلاوة القرآن، وأعرض عن تدبره، ولم يأتمر بأوامره، ولم ينته بنواهيه، فالواجب التدبر في القرآن، الخشوع عند قراءته، فإنه لا عذر في ترك ذلك، إذ لو خوطب بهذا القرآن الجبال، مع تركيب العقل فيها، لانقادت لمواعظه، ولرأيتها خاشعة مشفقة من خشية الله. قوله: (المذكورة) أي في هذه السورة أو في سائر القرآن. قوله: ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي ﴾ الخ، لما وصف الله تعالى كلامه بالعظم، ومن المعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف، أتبع ذلك بوصف عظمه تعالى فقال: ﴿ هُوَ ﴾ أي الذات المتصفة بالكمالات أزلاً وأبداً الواجبة الوجود، وقوله: ﴿ ٱللَّهُ ﴾ خبر عن ﴿ هُوَ ﴾ وقوله بعد ذلك: ﴿ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ إما خبر ثان أو صفة للفظ الجلالة، وذكر لفظ الجلالة بعد الهوية، لأن الهوية هي الذات، والجلالة اسم الذات ومظهرها. قوله: ﴿ ٱلْمَلِكُ ﴾ أي المتصرف في خلقه بالايجاد والاعدام. قوله: ﴿ ٱلْقُدُّوسُ ﴾ أي المنزه عن صفات الحوادث، وأتى به عقب الملك، لدفع توهم أنه يطرأ عليه نقص كالملوك. قوله: ﴿ ٱلسَّلاَمُ ﴾ أي الذي يسلم على عباده المؤمنين في الجنة، وعلى الأنبياء في الدنيا، أو السالم من كل نقص، أو المؤمن من المخاوف والمهالك. قوله: (المصدق رسله بخلق المعجزة لهم) أي وأولياءه بالكرامات، وعباده المؤمنين على إيمانهم وإخلاصهم، لأنه لا يطلع على الإخلاص إلا هو. قوله: (أي الشهيد على عباده) وقيل معناه المطلع على خطرات القلوب. قوله:(القوي) أي فهو من عز بمعنى غلب وقهر، فيكون من صفات الجلال، ويصح أن يكون من عز بمعنى قل، فلم يوجد له نظير، فهو من صفات السلوب. قوله: (جبر خلقه على ما أراد) أي من إسلام وكفر وطاعة ومعصية، فإذا أراد أمراً فعله، لا يحجزه عنه حاجز، فهو من صفات الجلال، ويصح أنه مأخوذ من الجبر بمعنى الإصلاح، كقولهم: جبر الطبيب الكسر أي أصحله، فيكون من صفات الجمال. قوله: ﴿ ٱلْمُتَكَبِّرُ ﴾ من الكبرياء وهي التعالي في العظمة، وهي مختصة به تعالى لما في الحديث القدسي:" الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدة منهما قصمته، ثم حذفته في النار ". قوله: (عما لا يليق به) أي من صفات الحدوث. قوله: ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ أتى بالتسبيح عقب قوله: ﴿ ٱلْمُتَكَبِّرُ ﴾ إشارة إلى أن هذا الوصف مختص به، وينزه سبحانه عن مشاركة الغير له. قوله: ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ﴾ كرر الهوية لأنها حقيقة الذات المتصفة بالكمالات، فما يذكر بعدها من الصفات فهو كشف لها. قوله: ﴿ ٱلْخَالِقُ ﴾ أي الموجد للمخلوقات من العدم. قوله: (المنشئ) أي المبدع للأعيان المبرز لها. قوله: ﴿ ٱلْمُصَوِّرُ ﴾ أي المبدع للأشكال على حسب إرادته، فأعطى كل شيء من المخلوقات، صورة خاصة وهيئة منفردة، يتميز بها على اختلافها وكثرتها. قوله: (مؤنث الأحسن) أي الذي هو أفعل تفضيل لا مؤنث أحسن المقابل لامرأة حسناء، ووصفت بالحسنى لأنها تدل على معان حسنة، من تحميد وتقديس وغير ذلك، ووصف الجمع الذي لا يعقل بما توصف به الوحدة وهو فصيح، ولو جاء على المطابقة لقال الحسن بوزن آخر، ويصح ان يراد من الحسنى المصدر، ويقال فيه ما قيل في زيد عدل، ووصف الجمع به ظاهر لأنه لا يثنى ولا يجمع. قوله: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ الخ، ختمها بالتسبيح كما ابتدأها به، إشارة إلى أنه المقصود الأعظم والمبدأ والنهاية، وأن غاية المعرفة بالله تنزيهه عما صورته العقول.