قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ لما أمر الله المسلمين بهجر الكفار، اقتضى ذلك عدم مساكنتهم والهجرة إلى المسلمين، خوفاً من الموالاة المنهي عنها، وكان التناكح من أقرب أسباب الموالاة بين أحكام الزوجين في هذه الآية، وسبب نزولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عقد الصلح مع الكفار عام الحديبية على شرط أن من أتى النبي من أهل مكة يرده إليهم وإن كان مسلماً، جاءت سبعية بنت الحرث الأسلمية مهاجرة للنبي، فجاء زوجها صيفي بن الراهب، وقيل المسافر المخزومي، وكان كافراً فقال: يا محمد اردد علي امرأتي، فأنت شرطت ذلك، فأنزل الله هذه الآية، فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت، فأعطى زوجها ما أنفق، وتزوجها عمر بن الخطاب. قوله: (بألسنتهن) أي ناطقات بالشهادتين بألسنتهن. قوله: (من الكفار) أي حال كونهم من جملة الكفار، أو متعلق بجاءكم. قوله: (بعد الصلح) متعلق بمهاجرات أو بجاءكم. قوله: (على أن من جاء منهم) أي مؤمناً. قوله: ﴿ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ﴾ (بالحلف) أي حلفوهن هل هن مسلمات حقيقة أو لا؟ وسبب الامتحان، أنه كان من أرادت من الكفار إضرار زوجها قالت: سأهاجر إلى رسول الله، فلذلك أمر بالامتحان. قوله: ﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ﴾ أي بصدقه. قوله: ﴿ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ ﴾ أن لا يحل لكم أن تردوهن إلى الكفار، قال تعالى﴿ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾[النساء: ١٤١].
قوله: ﴿ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ ﴾ أي ما دفعوا لهن من المهور، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع زوج سبيعة. قوله: (بشرطه) أي وهو انقضاء عدتها في الإسلام، إن كان مدخولاً بها، والولي والشاهدان وبقية شروط الصحة في المدخول بها وغيرها. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ ﴾ جمع عصمة وهي هنا عقد النكاح، والكوافر جمع كافرة، كضوارب جمع ضاربة، وقوله: (زوجاتكم) أي المتأصلات في الكفر اللاتي أسلمتم عنهن، وهذا النعت المقدر هو المعطوف عليه قوله: (واللاحقات) الخ، وصورة المسألة: أن الزوج أسلم عن زوجته الكافرة، فهذا نهي للمؤمنين عن بقائهم على عصم المشركات الباقيات على الكفر، بخلاف إسلامهم عن الكتابيات فلا ينفسخ بكاحهم، فإن النكاح بهن يجوز للمسلم ابتداء، فلا يمنع من البقاء عليهن بعد الإسلام. قوله: (لقطع إسلامكم لها بشروطه) أي شرط القطع، وهو أن لا يجمعهما الإسلام في العدة، فإن أسلم وأسلمت بعده بشهر ونحوه، وأسمت قبله وأسلم بعدها في العدة، والموضوع أنه مدخول بها، أقر عليها في الصورتين. قوله: (أو اللاحقات) معطوف على النعت المقدر بعد (زوجاتكم) وصورتها: مسلمات أصالة تحت أزواج مسلمين، فوقعت منهم الردة والتحقن بالمشركين في ذلك. قوله: (بشرطه) أي وهو دوام الردة إلى وفاء العدة، فإن رجعت للإسلام قبل وفاء العدة، ترجع له من غير عقد، هكذا مذهب الإمام الشافعي في المدخول بها، وأما غيرها فتبين بمجرد الردة، وأما مذهب مالك فلا ترجع له إلا بعقد مطلقاً، سواء رجعت قبل العدة أو بعدها، فكلام المفسر على قاعدة مذهب الإمام الشافعي. قوله: ﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ ﴾ الخ، قال المفسرون: كان من ذهب من المسلمات مرتداً إلى الكفار المعاهدين، يقال للكفار هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين إذا جاء أحد من الكافرات مسلمة مهاجرة، ردوا إلى الكفار مهرها، وكان ذلك نصفاً وعدلاً بين الحالين، ثم نسخ ذلك الأمر، فمن ارتدت لا تقر، ومن جاءتنا منهم مسلمة مهاجرة لا يأخذون لها مهراً. قوله: ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ ﴾ أي المذكورة في هذه الآية، وقوله: ﴿ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ استئناف أو حال بتقدير الرابط، وقد جرى على المفسر قوله: ﴿ فَاتَكُمْ ﴾ الخ، هذه الآية أيضاً من تتمة قوله: ﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ ﴾ فهو بمعناه ومحصله: إنه إن فر شيء أي امرأة أو أكثر إلى الكفار فغنمتم، فأعطوا الذين فرت أزواجهم من الغنيمة قبل قسمها قدر مهرها، فكأنه دين على الكفار، قال ابن عباس: لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة مرتدات، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أواجهن مهور نسائهم من الغنيمة. قوله: (مرتدات) حال من أزواج. قوله: (فغزوتم) فسر العقوبة بالغزو لحصولها به. قوله: ﴿ فَآتُواْ ﴾ بمد الهمزة أي أعطوا، روي أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ أدى المؤمنون مهور المؤمنات المهاجرات إلى أزواجهن المشركين، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئاً من مهور المرتدات إلى أزواجهن المسلمين، فأنزل الله ﴿ وَإِن فَاتَكُمْ ﴾ الخ. قوله: (ثم ارتفع هذا الحكم) أي نسخ حكمه فصار الآن، إذا ارتدت امرأة ولحقت بالمشركين، لا نأخذ لها مهراً بل ننتظرها، فمتى قدرنا عليها استتبناها، فإن تابت وإلا قتلت، كما أن من فرت من الكفار مسلمة، لا ندفع لها مهراً.