قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ ﴾ الخ، أي من أهل المدينة أو مكة أو غيرهن، ولكن الآية نزلت في فتح مكة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبايعة الرجال. قول: ﴿ يُبَايِعْنَكَ ﴾ أي يعاهدنك، وسماه مبايعة لأنه مقابلة شيء بشيء، وهو الايمان وتوابعه، في مقابلة الجنة والرضوان، ويبايعن مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، والكاف مفعول. قوله: ﴿ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ ﴾ نهاهم في هذه المبايعة عن ستة أشياء، ولم يقابلها بأوامر، لأن النهي عن هذه، يستلزم الأمر بضدها. قوله: ﴿ وَلاَ يَسْرِقْنَ ﴾ روي أنه لما قال النبي لهن ذلك، قالت هند امرأة أبي سفيان: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي حرج إذا أخذت ما يكفيني وولدي؟ قال: لا، إلا بالمعروف، فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها فتضيع، أو تأخذ فتكون ناقصة للبيعة، فلذلك أمرها بالمعروف في الأخذ، ومحل جواز الأخذ بغير إذن، إذا كان غير محجور، وأما إذا كان حجره بقفل ونحوه فيحرم الأخذ، وإن أخذت تعد سارقة وتقطع يدها، فلما قال رسول الله ﴿ وَلاَ يَزْنِينَ ﴾ قالت هند: أو تزن الحرة؟ فلما قال ﴿ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ قالت: ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً، وعرضت بولدها حنظلة فإنه قتل يوم بدر، فضحك عمر، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قال ﴿ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ ﴾ قالت: والله إن البهتان لقبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، وكانت هذه البيعة في مكة عند الصفا، فاجتمع له من النسوة أربعمائة وسبع وخمسون امرأة فآمنّ. قوله: (من وأد البنات) أي دفنهن أحياء. قوله: (أي بولد ملقوط) أي فكانت المرأة إذا خافت مفارقة زوجها لعدم الحمل، التقطعت ولداً ونسبته له ليبقيها عنده، فأشار المفسر بقوله: (أي بولد) إلى أن المراد بالبهتان المفترى، وليس المراد الزنا، لتقدمه في النهي صريحاً. قوله: (كترك النياحة) أي فالمراد بالمعروف، وهو ما عرف حسنه في الشرع، وهو اسم جامع لكل خير. قوله: ﴿ فَبَايِعْهُنَّ ﴾ جواب ﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ ﴾ أي التزم لهن الثواب إذا التزمن ذلك. قوله: (بالقول) هذا هو الصحيح، وقيل: إنه صافحهن بحائل لما روي: أنه بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب، وقالت أم عطية: لما قدم المدينة، جمع نساء الأنصار في بيت، ثم ارسل إلينا عمر بن الخطاب على الباب، فسلم فرددن عليه السلام، فقال: أنا رسول الله إليكن أن لا تشركن بالله شيئاً الآية، فقلن: نعم، فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال: اللهم اشهد. قوله: ﴿ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ ﴾ أي مما سلف منهن. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الخ، ختم السورة بمثل ما افتتحها به، وهو النهي عن موالاة الكفار، وهذا من البلاغة، ويقال له: رد العجز على الصدر. قوله: ﴿ غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ نعت لقوماً، وقوله: ﴿ قَدْ يَئِسُواْ ﴾ نعت ثان. قوله: (هم اليهود) أشار المفسر بذلك إلى سبب نزول الآية، وهو أن ناساً من فقراء المسلمين، كانوا يوصلون اليهود بأخبار المسلمين، ليعطوهم من ثمارهم، فنزلت، وقيل: المراد بالمغضوب عليهم جميع الكفار. قوله: (لعنادهم) علة ليأسهم مع أيقانهم بها، فلا حظ لهم فيها ولا ثواب. قوله: ﴿ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ ﴾ مشى المفسر على أن قوله: ﴿ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ ﴾ صفة للكفار، والميؤوس منه محذوف قدره بقوله: (من خير الآخرة) أي أن اليهود يئسوا من الآخرة، كيأس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة، وقيل: إن قوله: ﴿ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ ﴾ هو الميؤوس منه، المعنى أن اليهود أيسوا من الآخرة، كيأسهم من أصحاب القبور، لأنهم ينكرون البعث، وقيل: كما يئس الكفار المقهورون من رجوعهم إلى الدنيا، احتمالات ثلاث. قوله: (إذا تعرض عليهم) أي وهم في القبور. قوله: (لو كانوا آمنوا) أي قبل الموت. قوله: (وما يصيرون إليه) معطوف على (مقاعدهم) أي ويعرض عليهم ما يصيرون إليه من النار.