قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ﴾ معمول لمحذوف تقديره (اذكر) وإنما كررت قصة موسى وعيسى، بل وقصة غيرهما، لأن المقصود الاتعاظ ودوامه، فإذا ذكر الشيء أولاً وثانياً، كان المقصود منه دوام تذكره والاعتبار به، قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل. قوله: (لأنه لم يكن له فيهم قرابة) أي لأنه لا أب له فيهم، وإن كانت أمه من أشرافهم. إن قلت: هو منهم باعتبار أمه، قلت: النسب إنما هو من جهة الأب. قوله: ﴿ مُّصَدِّقاً ﴾ حال من الضمير المستتر في رسول لتأويله بمرسل، وكذا قوله: ﴿ وَمُبَشِّراً ﴾.
قوله: ﴿ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ ﴾ خصها لأنها أشهر الكتب عندهم. قوله: ﴿ يَأْتِي مِن بَعْدِي ﴾ الجملة صفة لرسول، وكذا قوله: ﴿ ٱسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ والياء في ﴿ بَعْدِي ﴾، إما مفتوحة أو ساكنة، قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ ٱسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ يحتمل أن يكون أفعل تفضيل من المبني للفاعل، والمعنى أكثر حامدية لله تعالى من غيره، ويحتمل أن يكون من المبني للمفعول، أي أكثر محمودية من غيره، أي كون الخلق يحمدونه أكثر، من كونهم يحمدون غيره وخص أحمد بالذكر دون محمد، مع أنه أشرف أسمائه صلى الله عليه وسلم لوجوه، الأول: كونه مذكوراً في الانجيل بهذا الاسم. الثاني: كونه مسمى في السماء به، الثالث: لأن حمده لله، سابق على حمد الخلق له في الدنيا ويوم القيامة، فحمده قبل شفاعته لأمته، وحمد الخلق له بعدها، وقال بعضهم: إنه صلى الله عليه وسلم له أربعة آلاف اسم، منها نحو سبعين من أسمائه تعالى، كرؤوف ورحيم. قوله: (جاء أحمد للكفار) هذا أحد قولين للمفسرين في مرجع الضمير في جاءهم، والثاني أنه عائد على عيسى. قوله: (أي المجيء به) اسم مفعول من جاء، وأصله مجيوء بوزن مضروب، نقلت ضمة الياء للساكن قبلها وهو الجيم، فالتقى ساكنان الواو والياء، فحذفت الواو وكسرت الجيم. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (ووصف آياته) بالجر عطف على نسبة. قوله: ﴿ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ ﴾ الجملة حالية، أي يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام الذي فيه سعادة الدارين، فيجعل ما كان إجابته افتراء الكذب على الله. قوله: (منصوب بأن مقدرة واللام مزيدة) أي في مفعول ﴿ يُرِيدُونَ ﴾ للتوكيد، ويصح أن تكون للتعليل، والمفعول محذوف، والتقدير يريدون إبطال القرآن ليطفئوا، وهناك طريقة لبعض النحويين، أن اللام بمعنى أن الناصبة، فيكون الفعل منصوباً بها، قوله: (شرعه وبراهنيه) هذا أحد أقوال في تفسير النور، وقيل هو القرآن، وقيل الإسلام، وقيل محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل إنه مثل مضروب بمن أراد إطفاء الشمس بفيه، فكما أنه لا يفيد ذلك من أراد إبطال الحق فلا يفيده، وفي الكلام استعارة تبعية، حيث شبه الأبطال بالأطفاء، واستعار اسم المشبه به للمشبه، اشتق من الاطفاء بمعنى يبطلون، وسبب نزول هذه الآية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً، فقال كعب بن الأشرف: يا معشر اليهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية، واتصل الوحي بعدها. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يُرِيدُونَ ﴾ وقوله: (مظهر) ﴿ نُورِهِ ﴾ هذا جواب عما يقال: إن الاتمام لا يكون إلا بعد النقصان، فأجاب: بأن المراد بالاتمام، إظهاره في المشارق والمغارب، قوله: (وفي قراءة بالإضافة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ بدل من قوله: ﴿ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾.
قوله: ﴿ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ أي البيان الشافي، والمراد به القرآن والمعجزات الظاهرة. قوله: ﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾ إنما عبر أولاً بالكافرون، وثانياً بالمشركون، لأن الرسول في ابتداء أمره، يأتي بالتوحيد ويأمره به، فيخالفه المشركون، فإذا ظهر أمره واشتهر، حسده جميع الكفار، وأرادوا ابطال ما جاء به من المعجزات والبراهين، فعير في كل بما يناسبه.


الصفحة التالية
Icon