قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ أي تعلقت إرادته بخلقكم أزلاً، وقوله: ﴿ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾ أي بحسب تعلق قدرته وإرادته، فما قدر أزلاً من كفر وإيمان، لا بد وأن يموت الشخص عليه، لما في الحديث:" إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ". واعلم أن القسمة رباعية: شخص كتب سعيداً في الأزل، ويظهر مؤمناً ويموت عليه. وشخص كتب شقياً في الأزل، فيعيش كافراً ويموت كذلك، وشخص كتب سعيداً في الأزل، فيعيش كافراً ويختم له بالإيمان، وهذا الثلاثة كثيرة الوقوع. وشخص يعيش مؤمناً، ويختم له بالكفر، وذلك أندر من الكبريت الأحمر. بالجملة فالخاتمة تظهر السابقة، لأن ماقدر في الأزل، لا يغير ولا يبدل. قوله: (ثم يميتهم ويعيدهم) فيه التفات من الخطاب للغيبة، وإلا فمقتضى الظاهر أن يقول: ثم يميتكم ويعيدكم. قوله: ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ أي الحكمة والبالغة لا عبثاً. قوله: (إذ جعل شكل الآدمي أحسن الأشكال) أي فجعل رأسه لأعلى، ورجليه لأسفل، وذراعيه في جنبيه، وجعله منتصب القامة. إن قلت: قد يوجد كثير من الناس مشوه الخلق. أجيب: بأن التشويه بالنسبة لأبناء جنسه، لا بالنسبة لصور البهائم مثلاً، إذ لو قابلت بين الصورة المشوهة، وبين صورة الغزال، لرأت صورة البشر المشوهة أحسن.