قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ﴾ الخ، هذا الخطاب مشعر بأنه صلى الله عليه وسلم على غاية من التفخيم والتعظيم، حيث عابته على إتعاب نفسه والتضييق عليها، من أجل مرضاة أزواجه، كأن الله تعالى يقول له: لا تتعب نفسك في مرضاة أزواجك، بل أرح نفسك ولا تتعبها، وأزواجك يسعون في مرضاتك فإن سعين في مرضاتك سعدن، وإلا فلا. قوله: (من أمتك مارية القبطية) هذا قول أكثر المفسرين. ومحصله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه، فلما كان يوم حفصة، استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أبويها فأذن لها، فلما خرجت، ارسل إلى جاريته مارية القبطية، التي أهداها له المقوقس ملك مصر، فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها، فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقاً، فجلست عند الباب، فخرج النبي ووجهه يقطر عرقاً وحفصة تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: إنما أذنت لي من أجل ذلك، أدخلت أمتك بيتي، ثم وقعت عليها في يومي على فراشي، أما رأيت لي حرمة وحقاً؟ فقال: أليست هي جاريتي قد أحلها الله لي؟ وهي عليَّ حرام التمس بذلك رضاك، ولا تخبري بهذا امرأة منهن، فلما خرجت قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه أمته مارية، وإن الله قد أراحنا منها، وأخبرتها بما رأت، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر ازواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن الذي حرمه على نفسه هو شرب العسل، وهو ما في الصحيحين، لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل، وكان إذا صلى العصر، دار على نسائه، فيدنو من كل واحدة منهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك فقيل لي: أهدت إليها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: والله لنحتالن له، فذكرت ذلك لسودة وقلت لها: إذا دخل عليك ودنا منك فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير؟ بغين معجمة وفاء بعدها ياء وراء، جمع مغفور بالضم كعصفور أي صمغاً حلواً له رائحة كريهة، ينضجه شجر يقال له العرفط بضم العين المهملة والفاء يكون في الحجاز له رائحة كرائحة الخمر، فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: وما هذه الريج؟ وكان صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجد منه الريح الكريه، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: أكلت نحلة العرفط حتى صار فيه، أي في العسل، ذلك الريح الكريه، وإذا دخل علي فأسقول ذلك، وقولي أنت وصفية ذلك، فلما دخل على سودة قالت له مثل علمتها عائشة، وأجابها بما تقدم، فلما دخل على صفية قالت له مثل ذلك، فلما دخل على عائشة قالت له مثل ذلك، فلما كان اليوم الآخر، دخل على حفصة قالت له: يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة إلي به، قالت: إن سودة تقول: سبحان الله لقد حرمناه منه، فقال لها: اسكتي اهـ. قوله: (حيث قلت) ظرف لقوله: ﴿ لِمَ تُحَرِّمُ ﴾ أو تعليل له. قوله: ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾ حال من فاعل ﴿ تُحَرِّمُ ﴾ والمعنى: لا ينبغي لك أن تشتغل بما يرضي الخلق، بل اللائق أن أزواجك وسائر الخلق تسعى في مرضاتك. قوله: (أي رضاهن) مصدر مضاف لفاعله أو مفعوله. قوله: (شرع) أي فالمراد بالفرض الشرع والمعنى بين واظهر وجعل لكم تحلة أيمانكم، والضمير عائد عليه وعلى أمته. قوله: ﴿ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ مصدر حلل ككرم تكرمة، فأصله تحلله فأدغم. قوله: (تحليلها بالكفارة) ألخ، اشار إلى أن التحلة تحليل اليمن، فكأنه عقد وتحلته بالكفارة. قوله: (ومن الأيمان تحريم الأمة) أي بقوله: أنت علي حرام، فتجب به كفارة يمين عند الشافعي، وعند مالك التحريم في غير الزوجة لغو، لا يلزم به شيء، ما لم يقصد به الأمة عتقها، وإلا فيلزمه عتقها، وأما التحريم في الزوجة، فعند الشافعي إن نوى به الطلاق وقع، وإلا فيلزمه كفارة يمين، وعند مالك يلزمه به الطلاق الثلاث إن كان مدخولاً بها، وواحدة في غير الدخول بها، وإن لم ينو به حل العصمة. قوله: (قال مقاتل) الخ أي وبه أخذ الشافعي. قوله: (وقال الحسن لم يكفر) الخ، أي وبه اخذ مالك، والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ ﴾ أي متولي أموركم.


الصفحة التالية
Icon