قوله: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ ﴾ الخ، شروع في تفاصيل بعض آثار القدرة، واعلم أنه اختلف في الموت والحياة، فحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل، أن الموت والحياة جسمان، فالموت في هيئة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فارس أنثى بلقاء، وهي التي كان جبريل صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام يركبونها، خطوتها مد البصر فوق الحمار ودون البغل، لا تمر بشيء ولا يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء حيي، وهي التي أخذ السامري من أثرها تراباً فألقاه على العجل فحيي، على هذا الحياة والموت أمران وجوديان؛ وتقابلهما من تقابل الضدين، وقيل الموت عدم الحياة، فتقابلهما من تقابل العدم والملكة. قوله: (في الدنيا) أي وهو القاطع للحياة الدنيوية، وقوله: ﴿ وَٱلْحَيَاةَ ﴾ (في الآخرة) أي وهي حياة البعث، ولكن هذا القول لا يناسب ترتبت الابتلاء عليه في قوله: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ لأن الابتلاء إنما يترتب على حياة الدنيا. قوله: (أو هما في الدنيا) أي فالمراد بالموت عدم الحياة السابق على الوجود، والمراد بالحياة الحياة الدنيوية. قوله: (وهي ما به الإحساس) تفسير للحياة على كل من القولين، وقوله: (ما به الإحساس) أي فتكون صفة وجودية يلزمها الحس والحركة. قوله: (أو عدمها) أي عدم الحياة أعم من أن يكون سابقاً عليها أو متأخراً عنها. قوله: (قولان) أي في تعريف الموت. قوله: (والخلق على الثاني) أي على القول الثاني في تعريف الموت وهو أنه عدم الحياة. قوله: (بمعنى التقدير) أي وهو متعلق بالموجودات والمعدومات، لأنه تعلق الإرادة والعلم الأزليان. وأما على الأول فيتعلق به الخلق حقيقة، لأنه أمر وجودي. قوله: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ أي يعاملكم معاملة المبتلي والمختبر، فاندفع ما قد يتوهم من ظاهر الآية، أن علمه تعالى يتجدد بتجدد المعلومات. قوله: ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ ﴿ أَيُّكُمْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ أَحْسَنُ ﴾ خبره، و ﴿ عَمَلاً ﴾ تمييز، والجملة في محل نصب مفعول ثاني ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ وإنما علق يبلو عن المفعول الثاني لما فيه من معنى العلم فأجرى مجراه. قوله: (أطوع لله) هذه أحد تفاسير في قوله: ﴿ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ وقيل: أحسن عقلاً، وأروع عن محارم الله؛ وأسرع في طاعة الله، وقيل: ﴿ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ أخلصه وأصوبه، فالخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة، وقيل غير ذلك.