قوله: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ ﴾ هذه الآية مسوقة لبيان حقارة الدنيا وتزهيد المسلمين فيها، ففي الحديث" ظاهرها وباطنها عبرة "وقال الشاعر: هي الدنيا تقول بملء فيها   حذار حذار من بطشي وفتكيفلا يغرركمو مني ابتسام   فقولي مضحك والفعل مبكيوالفعل مبني للمفعول، والمزين حقيقة هو الله، ويصح أن يكون الشيطان باعتبار وسوسته، ولذا نوع فيه المفسر. قوله: ﴿ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ ﴾ جمع شهوة وهي ميل النفس لمحبوبها، ولما كان ذلك المعنى ليس مراداً فسرها بالذي تشتهيه النفس ففيه إشارة إلى أنه أطلق المصدر، وأريد اسم المفعول إن قلت إنه يدخل في الناس الأنبياء مع أنهم معصومون من ذلك. أجيب بأنه عام مخصوص بما عدا الأنبياء، وأما هم فهم معصومون من الميل إلى ما سوى الله لما في الحديث" حبب إليّ من دنياكم ثلاث "ولم يقل من دنيانا، وفي الحديث أيضاً" ليست من الدنيا ولا الدنيا مني ". قوله: (زنيها الله) أي أوجد فيها الزينة. قوله: (أبتلاء) أي اختبارً، قال تعالى:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[الكهف: ٧].
قوله (أو الشيطان) أي بالوسوسة. قوله: ﴿ مِنَ ٱلنِّسَاءِ ﴾ متعلق بمحذوف حال من الشهوات وهو تفصيل لما أجمل فيها، وقدم النساء لأنهن أعظم زينة الدنيا، فإنهن حبالة الشيطان، ويحملن الإنسان على قطع الرحم واكتساب المال من الحرام وارتكاب المحرمات، وقال عليه الصلاة والسلام:" ما تركت فتنة أضر الرجال من النساء، ما رأيت ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحكيم منكن ". قوله: ﴿ وَٱلْبَنِينَ ﴾ قدمهم على الأموال لأنهم فرع النساء وأكبر فتنة من الأموال، لأن الإنسان يفدي بنيه بالمال ولم يقل والبنات لأن الشأن أن الفخر في الذكور دون الإناث. قوله: ﴿ وَٱلْقَنَاطِيرِ ﴾ جمع قنطار قيل المراد به المال الكثير، وقيل ألف أوقية ومائتا أوقية، وقيل اثنا عشر ألف أوقية، وقيل غير ذلك، ودرج المفسر على الأول. قوله: ﴿ ٱلْمُقَنْطَرَةِ ﴾ قيل وزنها مفعللة فتكون النون أصلية، وقيل وزنها مفنعلة فالنون زائدة، ويترتب على ذلك النون في قنطار هل هي أصلية فوزنه فعلال، أو زائدة فوزنه فنعال، وأقل القناطير المقنطرة تسعة، لأن المراد تعددت جميع القناطير عنده ثلاثة ففوق. قوله: ﴿ وَٱلْفِضَّةِ ﴾ الواو بمعنى أو المانعة الخلو فتجوز الجمع، وقدم الذهب والفضة على ما عداهما لأن فخر صابحهما أعظم. قوله: ﴿ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ ﴾ قدمها على الأنعام لأن فخرها أعظم. قوله: (الزرع) أي مطلقاً حسبت أو غيرها. قوله: (ثم يفنى) أي يزول هو وصاحبه، قال تعالى:﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ ﴾[يونس: ٢٤] الآية. قوله: (فينبغي الرغبة فيه) أي في ذلك المآب، وفي الآية اكتفاء أي وعنده سوء المآب، فحسن المآب لمن لم يغتر بالدنيا وجعلها مزرعة للآخرة، وسوء المآب لمن اغتر بها وآثرها على الآخرة. قوله: ﴿ أَؤُنَبِّئُكُمْ ﴾ قرئ في السبع بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية مع زيادة مد بينهما وبدون زيادة، فالقراءات أربع، وليس في القرآن همزة مضمومة بعد مفتوحة إلا ما هنا، وما في ص أأنزل عليه الذكر، وما في اقتربت الساعة أألقي عليه الذكر. قوله: (من الشهوات) أي المشتهيات. قوله: (استفهام تقرير) أي تثبيت. قوله: ﴿ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا ﴾ (الشرك) أي الإيمان، وإنما اقتصر عليه لأن أصل دخول الجنة إنما يتوقف عليه فقط. قوله: ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ في محل نصب على الحال من جنات. قوله: ﴿ جَنَّاتٌ ﴾ أي سبع: جنة المأوى وجنة الخلد وجنة النعيم وجنة عدن وجنة الفردوس ودار السلام ودار الجلال، وأبوابها ثمانية وأعظمها جنة الفردوس. قوله: أي (مقدرين الخلود) أشار بذلك إلى أن قوله خالدين حال منتظرة أي منتظرين الخلود فيها إذا دخلوها، لأنه ينادي المنادي حين استقرار أهل الدارين فيهما يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، فيقع الفرح الدائم في قلوب أهل الجنة، والحزن الدائم في قلوب أهل النار. قوله: ﴿ وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ أي من الحور وغيرهن من نساء الدنيا. قوله: (لغتان) أي وقرئ بهما في السبع في جميع لفظ رضوان الواقع في القرآن إلا الثاني في المائدة فإنه بالكسر بإتفاق السبعة، وهو قوله من اتبع رضوانه سبل السلام، والمكسور قياسي والمضموم سماعي ومعناهما واحد، وقول المفسر كثير أخذ اكثرة من التنوين. قوله: (أي رضا كثير) أي عظيم لا سخط بعده أبداً. قوله: (فيجازي كلا منهم بعمله) أي فيدخل المتقين الجنة والعاصين النار. قوله: (نعت) أي للذين اتقوا. قوله: (على الطاعة) أي على فعلها، وقوله: (وعن المعصية) أي نهاهم الله عنها فأمسكوا عنها وانتهوا. قوله: ﴿ وَٱلصَّادِقِينَ ﴾ إن قيل كيف دخلت الواو على هذه الصفات مع أن الموصوف فيها واحد؟ أجيب بجوابين: أحدهما أن الصفات إذا تكررت جاز أن يعطف بعضها على بعض بالواو وإن كان الموصوف بها واحداً، ودخول الواو في مثل هذا للتفخيم لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة بمدح الموصوف بها، ثانيهما لا نسلم أن الموصوف بها واحد بل هو متعدد، والصفات موزعة عليهم، فبعضهم صابر وبعضهم صادق، ففيه إشارة إلى أن بعضها كاف في المدح. قوله: (في الإيمان) أي صدقوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم. قوله: (المطيعين لله) أي بأي نوع من أنواع الطاعة. قوله: (بأن يقولوا اللهم اغفر لنا) أي أو غير ذلك من أنواع الطاعات، فالمراد بالمستغفرين المتعرضون للمغفرة إما بسؤال المغفرة أو غيرها من الطاعات. قوله: (وآخر الليل) ويدخل بالنصف الأخير منه، وقيل الأسحار ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس، فينبغي اغتنام هذين الوقتين فإن لم يمكن الأول فالثاني.


الصفحة التالية
Icon