قوله: ﴿ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ الخ، نزلت هذه الآية بأحد، حين فر أصحاب رسول الله بإغراء المنافقين، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا، وقيل: نزلت حين ضاق صدره من أهل مكة، خرج يدعو ثقيفاً، فأغروا به سفهاءهم، وصاروا يضربونه بالحجارة حتى أدموا قدمه الشريف، فأراد أن يدعو عليهم، فعلى الأول تكون مدنية، وعلى الثاني تكون مكية. قوله: ﴿ إِذْ نَادَىٰ ﴾ منصوب بمضاف محذوف، والتقدير: ويكن حالك كحاله في وقت ندائه. قوله: ﴿ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ الجملة حال من ضمير ﴿ نَادَىٰ ﴾.
قوله: (مملوء غماً) أي من أجل خوفه من الله تعالى حيث خرج من غير إذن، فظن أن الله آخذه بذلك، وقيل: معنى مكظوم محبوس، ومنه قولهم فلان يكظم غيظه أي يحبس غضبه. قوله: ﴿ نِعْمَةٌ ﴾ اختلف في المراد بها، فقيل: الرحمة وهو الذي اختاره المفسر، وقيل: هي العصمة، وقيل: نداؤه بقوله﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾[الأنبياء: ٨٧].
قوله: (بالأرض الفضاء) أي الخالية من النبات والأشجار والجبال. قوله: ﴿ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴾ أي مؤاخذ بذنبه، والجملة حال من نائب فاعل نبذ، وهو محط النفي المستفاد من ﴿ لَّوْلاَ ﴾.
قوله: (لكنه رحم) الخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ لَّوْلاَ ﴾ حرف امتناع لوجود، والممتنع الذم، والمعنى: امتنع ذمه لسبق العصمة له، فجتباه ربه وجعله في الصالحين فيونس لم تحصل منه معصية أبداً، لا صغيرة ولا كبيرة، وإنما خروجه من بينهم، باجتهاد منه، وعتابه من الله من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، وتقدم ذلك مفصلاً. قوله: ﴿ فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ ﴾ عطف على مقدر، والمعنى: فأدركته نعمة من ربه فاجتباه. قوله: (بالنبوة) هذا مبني على أنه وقت هذه الواقعة لم يكن نبياً، وإنما نبئ بعدها وهو أحد قولين، والآخر أنه كان نبياً، ومعنى اجتباه اختاره واصطفاه ورقاه مرتبة أعلى من التي كان فيها. قوله: ﴿ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ أي الكاملين في الصلاح، قال ابن عباس: رد الله عليه الوحي، وشفعه في نفسه وفي قومه، وقبل توبته وجعله من الصالحين، بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون، فهداهم الله بسبب صبره. قوله: ﴿ وَإِن يَكَادُ ﴾ ﴿ وَإِن ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. قوله: (بضم الياء وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالضم من أزلق، والفتح من زلق. قوله: ﴿ بِأَبْصَارِهِمْ ﴾ الباء إما للتعدية أو السببية. قوله: (أي ينظرون إليك نظراً شديداً) أي فليس المراد أنهم يصيبونه بأعينهم، كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه. وإنما المراد أنهم ينظرون إليه نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء، وهذا ما مشى عليه المفسر، وقيل: أرادوا أن يصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش المجربة اصابتهم، فعصمه الله وحماه من أعينهم فلم تؤثر فيه فنزلت، وذكر العلماء أن العين كانت في بني أسد من العرب، وكان إذا أراد أحد منهم أن يصيب أحداً وفي نفسه أو ماله، جوع نفسه ثلاثة أيام، ثم يتعرضون للمعيون أو ماله فيقول: ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكبر ولا أحسن، فيهلك المعيون هو وماله، وهذه الآية تنفع كتابه وقراءة للمعيون، فلا تضره العين. قوله: ﴿ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ ﴾ ظرف ﴿ لَيُزْلِقُونَكَ ﴾.
قوله: (حسداً) أي وبغضاً وتنفيراً عنه. قوله: ﴿ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يَقُولُونَ ﴾ مفيدة لبطلان قولهم، وتعجب السامعين حيث جعلوا عظة للعالمين، ويذكرهم سبباً لجنون من أتى به، وهذا دليل على سخافة عقلهم وسوء رأيهم، لأن هذا القرآن لا يدركه إلا من كان كامل العقل، فكيف بمن نزل على قلبه؟


الصفحة التالية
Icon