قوله: ﴿ شَهِدَ ٱللَّهُ ﴾ سبب نزولها أن حبرين من أحبار الشام قدما على رسول الله بالمدينة فقالا له نسألك عن شيء آخر إن أخبرتنا به آمنا بلك وصدقناك، فقال سلا، فقالا له أخبرنا عن أعظم شهاة في القرآن فنزلت فآمنا به، ولكونها أعظم كان وقت نزولها حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فحين نزلت تساقطت تلك الأصنام، وورد في فضلها أنه يوم القيامة يجاء بمن كان يحفظها فيقول الله تعالى لعبدي هذا عندي عهداً فأوفيه إياه أدخلوا عبدي الجنة فيدخلونه من غير سابقة عذاب، ومن فضلها أنها تقلع عرق الشرك من القلب وتنفع من الوسواس، ولذا اختارها العارفون في ختم صلاتهم فيقرؤونها عقب كل صلاة، ثم أعلم أن معنى الشهادة الأقرار باللسان، والإذعان بالقلب وذلك مستحيل على الله تعالى، فالمراد بين وأظهر لخلقه بالدلائل القطعية أنه الخ، ففي الكلام استعارة تبعية حيث شبه البيان بالشهادة، واستعار اسم المشبه به للمشبه، واشتق من الشهادة شهد بمعنى بين، والجامع الوثوق بكل، لأن من أقر وأذعن حصل له وثوق، كما أن من بين حصل للسامع وثوق بخبره، وإلى ذلك أشار المفسر بقوله: (بين لخلقه الخ). قوله: (في الوجود) أي الدنيوي والأخروي. قوله: ﴿ وَ ﴾ (شهد بذلك) ﴿ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ أشار بذلك إلى أن الملائكة معطوف على لفظ الجلالة فهو مرفوع، وقدر الفعل دفعاً لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وفيه خلاف ولا يتمشى التنزيل عليه، فإن الشهادة في حق الملائكة معناها الإقرار، وأما في حق الله فمعناها التبيين. قوله: ﴿ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ ﴾ لم يقدر الفعل اكتفاء بما قدره في جانب الملائكة. قوله: (بالاعتقاد) أي في القلب، وقوله: (واللفظ) أي باللسان وإنما اقتصر في جانب الملائكة على الإقرار دون أولي العلم، لأن توحيد الملائكة جبلي لهم مخلوقون عليه كالنفس، فلا يتوهم فيهم عدم الاعتقاد بخلاف الإنس فاختياري لهم لوجود المنافقين فيهم دون الملائكة. قوله: (ونصبه على الحال) أي إما من لفظ الجلالة أو من الضمير المنفصل بعد إلا، والاحسن الثاني ليفيد أن الله شهد شهادتين: الأولى أنه لا إله إلا هو، والثانية أنه قائم بالقسط، فمتعلق الأولى تنزيه ذاته، ومتعلق الثانية تنزيه صفاته. قوله: (معنى الجملة) أي جملة لا إله إلا هو، وقوله: (أي تفرد) بيان لمعنى الجملة. قوله: ﴿ بِٱلْقِسْطِ ﴾ بيان لكرمه تعالى: فالمعنى أنه تعالى ثابت الألوهية، وأن جميع الخلق مملوكون له يتصرف فيهم كيف يشاء، فلو ادخل الطائعين جميعاً النار لا حجر عليه، غير أنه لا يفعل ذلك بل هو قائم بالقسط، قوله: (تأكيداً) أي وتوطئة لقوله: العزيز الحكيم. قوله: ﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾ (في ملكه) أي عديم المثال أو قاهر لخلقه، وهو راجع لقوله إنه لا إله إلا هو. قوله: ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ (في صنعه) أي يصنع الشيء في محله وهو راجع لقوله قائماً بالقسط، والعزيز الحكيم إما خبران لمبتدأ محذوف، وإما بدلان من ضمير المنفصل، أو نعتان له على جواز نعت ضمير الغيبة.