قوله: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ هذا هو المحلوف عليه، وكذا قوله: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ وما بعده، والمراد بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكرمه اجتماع الكمالات فيه، فهو أكرم الخلق على الإطلاق، وقيل: المراد به جبريل عليه السلام، ويؤيده قوله في سورة التكوير﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾[التكوير: ١٩] وكرمه كونه رئيس العالم العلوي. قوله: (أي قاله رسالة) الخ، جواب عما يقال: إن القرآن قول الله تعالى وكلامه، فكيف يقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ فأجاب بأنه قوله على سبيل التبليغ، والحاصل أنه ينسب لله من حيث إيجاده ولجبريل من حيث تلقيه عن الله، ولمحمد من حيث تلقيه عن جبريل. قوله: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ الخ، إنما عبر بالإيمان في جانب نفي الشعر، والتذكر في جانب نفي الكهانة، لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر ظاهر؟ لا ينكره إلا معاند كافر، بخلاف مغايرته للكهانة، فإنها متوقفة على التذكر والتدبر في أحواله صلى الله عليه وسلم الدالة على أنه ليس بكاهن. قوله: ﴿ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ ﴾ أي تؤمنون بشيء قليل مما جاء مما يوافق طبعكم، وهذا ما درج عليه المفسر، وقيل: أراد بالقلة نفي إيمانهم أصلاً، لأن الإيمان بشيء دون شيء كلا إيمان، وذلك كقولك لمن يزورك: قلما تأتينا أنت وتريد لا تأتينا أصلا. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما سبعيتان، فالأولى لمناسبة ﴿ تُبْصِرُونَ ﴾، والثانية التفات عن الخطاب إلى الغيبة. قوله: (وما زائدة مؤكدة) أي لمعنى القلة، و ﴿ قَلِيلاً ﴾ صفة لمصدر محذوف في الموضعين، أي إيماناً قليلاً، وتذكراً قليلاً. قوله: (مما أتى به النبي) من للتبعيض في محل الحال من أشياء، والمعنى: حال كون تلك الأشياء اليسيرة بعض ما أتى به النبي، وقوله: (من الخير) بيان للأشياء اليسيرة التي هي بعض ما أتى به النبي، فكان المناسب للمفسر أن يقدمه على قوله: (مما أتى به النبي) والمراد بالخير الصدقة، وبالصلة الأرحام، وبالعفاف الكف عن الزنا، وإنما آمنوا بهذه الأشياء لموافقتها طباعهم.


الصفحة التالية
Icon