قوله: ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ مجزو في جواب الأوامر الثلاثة. قوله: (من زائدة) أي على رأي الأخفش القائل: بأنه لا يشترط في زيادتها تقدم نفي وكون مدخولها نكرة. قوله: (فإن الإسلام) الخ، تعليل لما قبله، والمعنى: أن الإِسلام يغفر به ما تقدمه من الذنوب ولو حقوق العباد، فلا يؤاخذ بها في الآخرة. قوله: (لإخراج حقوق العباد) أي فإنها لا تغفر بالإِسلام، أي فيطالب الكافر إذا أسلم، بالحدود وبالأموال التي ظلم فيها، والديون المستقرة في ذمته. قوله: (بلا عذاب) جواب عن سؤال مقدر، كيف قال ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ مع أنه قال في الآية الأخرى﴿ وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ ﴾[المنافقون: ١١]؟ فالجواب: أن المراد بالأجل هنا أولاً وثانياً العذاب، وهو معلق على ترك الإيمان، وفي الآية الأخرى انتهاء العمر، وهو لا يتقدم ولا يتأخر، آمنوا أم لم يؤمنوا. قوله: ﴿ مُّسَمًّى ﴾ أي معلوم عند الله لا يزيد ولا ينقص. قوله: ﴿ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ ﴾ أضاف الأجل له سبحانه، لأنه هو الذي أثبته، وقد يضاف إلى القوم كما في قوله:﴿ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ ﴾[يونس: ٤٩] لأنه مضروب لهم. قوله: (لآمنتم) أشار بذلك إلى أن ﴿ لَوْ ﴾ شرطية. قوله: ﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ ﴾ بفتح الياء وسكونها قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ إِلاَّ فِرَاراً ﴾ مفعول ثان ليزدهم، وهو استثناء من محذوف، والتقدير: فلم يزدهم دعائي شيئاً من أحوالهم التي كانوا عليها إلا فراراً، أي بعداً واعراضاً عن الإيمان. قوله: ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ ﴾ ﴿ كُلَّمَا ﴾ معمول لجعلوا، والجملة خبر إن ومعمول ﴿ دَعَوْتُهُمْ ﴾ محذوف، والتقدير إلى الإيمان بك لأجل مغفرتك. قوله: (لئلا ينظروني) أي فكرهوا النظر إلي من فرط كراهتهم دعوتي، فقد خالفوه باطناً بالإصرار والاستكبار، وظاهراً بتعطيل الأسماع والأبصار، ولا أقبح من هذه المخالفة. قوله: ﴿ جِهَاراً ﴾ إما نعت مصدر محذوف أي دعاء جهاراً، أو حال على حد زيد عدل، والمعنى: أنه فعل عليه السلام كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ابتدأ أولاً بالأهون، ثم ترقى للأشد فالأشد، فافتتح بالسر؛ فلما لم يفد ثنى بالجهر، فلما لم يفد ثلث بالجمع بين السر والجهر، وتم للدلالة على تباعد الأحوال. قوله: ﴿ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ أي اطلبوا منه محو ذنوبكم بأن تأمنوا به وتتقوه، فليس المراد بالاستغفار مجرد قول أستغفر الله، فمن لازم الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، عن الحسن أن رجلاً شكا إليه الجدب، فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، وشكا إليه آخر قلة النسل، وآخر قلة ريع أرضه، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال الربيع بن صبيح: أتاك رجال يشكون إليك أبواباً، ويسألونك أنواعاً، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فتلا الآية. قوله:(وكانوا قد منعوه) أي لما كذبوا نوحاً، حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت أموالهم ومواشيهم فقال لهم نوح ﴿ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ الخ. قوله: ﴿ مِّدْرَاراً ﴾ حال من السماء، لم يؤنث لأن مفعالاً يستوي فيه المذكر والمؤنث. قوله: (بساتين) أشار بذلك إلى أن المراد جنات الدنيا؛ وكرر فعل الجعل، ولم يقل يجعل لكم جنات وأنهاراً، لتغير المعمولين، فإن الجنات مما لهم فيها مدخل بخلاف الأنهار، ولذا قال ﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ ولم يقل يجعل لتغير المعمول.