قوله: ﴿ قُمِ ٱلَّيلَ ﴾ العامة على كسر الميم لالتقاء الساكنين، وقرئ شذوذاً بضمها وفتحها، و ﴿ ٱلَّيلَ ﴾ ظرف للقيام على طريقة البصريين، أو مفعول به على طريقة الكوفيين، والأمر للوجوب، واختلف فيه فقيل: كان واجباً عليه وعلى أمته، وقيل: كان واجباً عليه وعلى جميع الأنبياء قبله، وقيل خاص به صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ التعيين بآخر السورة، ثم نسخ بالصلوات الخمس. قوله: (صل) أي فالمعنى: قم للصلاة والعبادة. قوله: (وقلته) الخ، جواب عما يقال: إن النصف مساو للنصف الآخر إلا قليل، فأجاب: بأنه يوصف بالقلة بالنظر لكل الليل، لا بالنظر للنصف الآخر. قوله: (إلى الثلث) أي انقص من النصف الذي تنامه، فمعناه قم ثلثي الليل، وقوله: (إلى الثلثين) أي زد على النصف الذي تنامه حتى تبلغ الثلثين، فمعناه قم ثلث الليل، فتحصل أن المعنى: قم نصف الليل أو ثلثيه أو ثلثه فهو من الواجب المخير. قوله: ﴿ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ ﴾ أي في أثناء قيامك. والمعنى: اقرأ بترتيل وتؤدة وسكنية ووقار. قوله: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي ﴾ الخ؛ هذه الجملة معترضة بين الأمر بقيام الليل وتعليله بقوله: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ ﴾ وفي الحقيقة هذه الجملة أيضاً تصلح أن تكون علة للأمر بقيام الليل كأنه قال: وقم الليل لتتهيأ لتحمل القول الثقيل الذي سننزله عليك. قوله: (مهيباً) أي عظيماً جليلاً، واختلف في معنى كونه ﴿ ثَقِيلاً ﴾ فقال قتادة: ثقيل والله فرائضه وحدوده، وقال مجاهد: حلاله وحرامه، وقال محمد بن كعب: ثقيل على المنافقين، لأنه يهتك أسرارهم ويبطل أديانهم، وقيل: ثقيل بمعنى كريم، وقيل ثقيل لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق، ونفس مزينة بالتوحيد، وأجمع من هذا، أن معناه كثير الفوائد والمعاني، لا يدركه عقل واحد، فهو كالبحر المحيط الذي لا ينقص بالاغتراف، فجميع العلماء المتقدمين والمتأخرين يغترفون منه، قال البوصيري: لها معان كموج البحر في مدد وفوق جوهره في الحسن والقيمفلا تعد ولا تحصى عجائبها ولا تسام على الإكثار بالسأموما مشى عليه المفسر، من أن المراد بالقول القرآن هو أحد أقوال، وقيل: إن المراد بالوحي، لما في الحديث" أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته، وضعت صدرها على الأرض، فما تستطيع أن تتحرك حتى يسري عنه ". وقالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقاً، وقيل: القول الثقيل هو قول: لا إله إلا الله، لما رود" أنها خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان ". قوله: (القيام بعد النوم) أشار بذلك إلى أن ﴿ نَاشِئَةَ ﴾ مصدر نشأ إذا قام ونهض، كالعاقبة والعافية، ويصح أن تكون صفة لموصوف، أي أن النفس الناشئة بالليل، أي القائمة فيه أشد وطأ الخ. قوله: ﴿ وَطْأً ﴾ تمييز أي من جهة المواطأة، أي الموافقة فيها. قوله: (موافقة السمع للقلب) أي أن هذا الوقت توافق الحواس القلب، فكل ما وقع في الحواس وعاء القلب، لخلو القلب عن الشواغل، فلا مفهوم لقول المفسر السمع، وفي ﴿ وَطْأً ﴾ قراءتان سبعيتان، كسر الواو وفتح الطاء بعدها ألف، وفتح الواو وسكون الطاء بعدها همز، ومعناهما ما قاله المفسر. قوله: (أبين قولاً) أي أصوب قراءة، وأصح قولاً من النهار لسكون الأصوات.