قوله: ﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ ﴾ الخ، هذا من جملة بيان وصف مشاربهم، وبنى الفعل للمجهول هنا، لأن المقصود بيان المطاف به لا بيان الطائف، وفاعل الطواف الولدان المذكوران بعد في قوله: ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ ﴾ ولما كان المقصود منها بيان وصف الطائف بناء للفاعل. قوله: ﴿ بِآنِيَةٍ ﴾ أصله أأنية بهمزتين، الأولى مفتوحة، والثانية ساكنة، أبدلت الثانية ألفاً، والجار والمجرور نائب الفاعل. قوله: ﴿ مِّن فِضَّةٍ ﴾ بيان للآنية. قوله: ﴿ وَأَكْوابٍ ﴾ عطف خاص على عام. قوله: (أقداح بلا عرى) أي فيسهل الشرب منه من كل موضع، فلا يحتاج لإدارته. قوله: ﴿ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ ﴾ جمع قارورة، وهي ما أقر فيه الشراب ونحوه، من كل إناء رقيق صاف، وقيل: هو خاص بالزجاج، وكرر لفظ قوارير، توطئة للنعت بقوله من فضة، فجمعت صفاء الزجاج وبريقه، وبياض الفضة ولينها، قال ابن عباس: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء، إذ الذي في الجنة أشرف وأعلى. وأعلم أن القراء السبعة في هاتين الكلمتين على خمس مراتب: إحداها تنوينهما معاً والوقف عليهما بالألف، الثانية عدم تنوينهما وعدم الوقف عليهما بالألف، الثالثة عدم تنوينهما والوقف عليهما بالألف، الرابعة تنوين الأول والوقف عليه بالألف والثاني بدون تنوين ولا وقف عليه بالألف، الخامسة عدم تنوينهما معاً والوقف على الأول بالألف وعلى الثاني بدونها، والتنوين للتناسب نظير ما تقدم في سلاسل، وعدم التنوين لمجيئه على صيغة منتهى الجموع. قوله: (على قدر ريّ الشاربين) أي شهوتهم، إذ لا عطش في الجنة، والريّ بكسر البراء وفتحها كفاية الشارب. قوله: (وذلك ألذ الشراب) أي لكونه لا يزيد على الحاجة فيستقذر الرائد، ولا ينقص فيحتاج إليه ثانياً، وهذا هو النعيم. قوله: (بدل من زنجبيلاً) أي ويصح أن يكون مفعول ﴿ يُسْقَوْنَ ﴾ وقوله: ﴿ كَأْساً ﴾ منصوب على نزع الخافض، أي من كأس كما تقدم نظيره. قوله: ﴿ تُسَمَّىٰ ﴾ أي تلك العين لسهول إساغتها ولذة طعمها. قوله: ﴿ سَلْسَبِيلاً ﴾ هو ما كان في غاية السلاسة، وهي سهولة الانحدار في الحلق، زيدت الباء في الكلمة حتى صارت خماسية، وقال مقاتل وابن حبان: سميت سلسبيلاً لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم، تنبع من أصل العرش، من جنة عدن إلى أهل الجنان، قال البغوي: شراب الجنة في برد الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك من غير لذع. قوله: (يعني أن ماءها كالزنجبيل) أي فهو مماثل له في الاسم، فجميع ما في الجنة من الأشجار والقصور والمأكول والمشروب والملبوس والثمار، لا يشبه ما في الدنيا، إلا في مجرد الاسم، لكن الله تعالى، يرغب الناس بذكر أحسن شيء وألذه مما يعرفونه في الدنيا، لأجل أن يسعوا فيما يوصلهم إلى هذا النعيم المقيم. قوله: ﴿ وِلْدَانٌ ﴾ بكسر الواو باتفاق السبعة، وهم غلمان ينشئهم الله تعالى لخدمة المؤمنين على التحقيق، وقيل: هم أولاد المؤمنين الصغار، ورد بأنهم يلحقون بآبائهم تأنساً وسروراً بهم، وقيل: هم أولاد الكفار. قوله: (لايشيبون) أي لعدم وجود الشعر لهم. قوله: (وهو أحسن منه في غير ذلك) جواب عما يقال: ما الحكمة في تشبيههم باللؤلؤ المنثور دون المنظوم؟ فأجاب: بأنه لحسنهم وانتشارهم في الخدمة، شبههم بالؤلؤ المنثور، قوله: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ﴾ الخطاب للنبي أو لكل من يدخل الجنة. قوله: ﴿ رَأَيْتَ نَعِيماً ﴾ أي ما يتنعم به من مأكل ومشرب وملبس ومركب وغير ذلك. قوله: (واسعاً لا غاية له) أي لا في الطول ولا في العرض، لما في الحديث:" أدنى أهل الجنة منزلة، من ينظر في ملكه مسيرة ألف عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه، ومن الملك الكبير، تسليم الملائكة عليهم، ولبس التيجان على رؤوسهم، كما تكون على رؤوس الملوك، وأعظمهم منزلة من ينظر إلى وجه ربه كل يوم ". قوله: ﴿ عَالِيَهُمْ ﴾ بفتح الياء وضم الهاء، وقوله: (وفي قراءة) أي سبعية أيضاً. قوله: (وهو خبر المبتدأ بعده) أي وهو ثياب ويصح العكس، وهو كون ﴿ عَالِيَهُمْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ ثِيَابُ ﴾ خبره. قوله: ﴿ ثِيَابُ سُندُسٍ ﴾ الإضافة على معنى من، والسندس ما رق من الحرير. قوله: (عكس ما ذكر) أي وهو جر ﴿ خُضْرٌ ﴾ ورفع ﴿ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ فجر ﴿ خُضْرٌ ﴾ على الوصفية لسندس لأنه اسم جنس، ووصفه بالجمع جائر، ورفع ﴿ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ عطف على ﴿ ثِيَابُ ﴾ على حذف مضاف، أي وثياب إستبرق، فالقراءات أربع سبعيات: رفع ﴿ خُضْرٌ ﴾ و ﴿ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ وجرهما، ورفع الأول وجر الثاني وعكسه، وأما ﴿ سُندُسٍ ﴾ فمجرور لا غير، لإضافة ثياب إليه. قوله: ﴿ وَحُلُّوۤاْ ﴾ عبر بالماضي إشارة لتحقق وقوعه. قوله: (وفي موضع آخر) الخ، أي فقال في سورة الحج وفاطر﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾[الحج: ٢٣، فاطر: ٣٣] قوله: (للإيذان) أي للإعلام، وقوله: (معاً) أي فيجمع في يد أحدهم، سواران من ذهب، وسواران من فضة، وسواران من لؤلؤ، وقوله: (ومفرقاً) أي فتارة يلبسون الذهب فقط، وتارة يلبسون الفضة فقط، وتارة يلبسون اللؤلؤ فقط، على حسب ما يشتهون. قوله: ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ أسند الإسقاء لنفسه، إشارة لعلو منزلتهم ورفعه قدرهم، وإلى أن الشراب الطهور، ونوع آخر يفوق على ما تقدم. قوله: ﴿ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ أي من أقذار لم تمسه الأيدي، ولم تدنسه الأرجل كخمر الدنيا. قوله: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ الخ، أي يقال لهم ذلك بعد دخولهم. فيها ومشاهدتهم نعيمها، لمزيد الأنس والسرور. قوله: ﴿ مَّشْكُوراً ﴾ أي مقبولاً مرضياً.