قوله: ﴿ هَلْ أَتَاكَ ﴾ الخ، المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم وتحذير قومه من مخالفته، فيحصل لهم ما حصل لفرعون، كأن الله تعالى يقول لنبيه: اصبر كما صبر موسى، فإن قومك وإن بلغوا في الكفر مهما بلغوا، لم يصلوا في العتوّ كفرعون، وقد انتقم الله منه، مع شدة بأسه وكثرة جنوده، و ﴿ هَلْ ﴾ بمعنى قد، إن ثبت أنه أتاه ذلك الحديث قبل هذا الاستفهام، وأما إذا لم يكن أتاه قبل ذلك، فالاستفهام لحمل المخاطب على طلب الأخبار. قوله: (عامل في) ﴿ إِذْ نَادَاهُ ﴾ أي فإذا معمول لحديث لا لأتاك لاختلاف الوقت. قوله: ﴿ ٱلْمُقَدَّسِ ﴾ أي المطهر، حيث شرفه الله تعالى بإنزال النبوة فيه على موسى. قوله: (اسم الوادي) أي وسمي طوى، لطي الشدائد عن بني إسرائيل، وجمع الخيرات لموسى، وهو واد بالطور، بين أيلة ومصر. قوله: (بالتنوين وتركه) أي فالتنوين باعتبار المكان وكونه نكرة، وتركه باعتبار البقعة وكونه معرفة، وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (فقال تعالى) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ معمول لقول محذوف، ويصح أن يكون على حذف إن التفسيرية أو المصدرية. قوله: ﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ كان طوله أربعة أشبار، ولحيته أطول منه وكانت خضراء، فاتخذ القبقاب يمشي عليه خوفاً من أن يمشي على لحيته، وهو أول من اتخذه، قوله: ﴿ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ تعليل للأمر. قوله: (تجاوز الحد في الكفر) أي بتكبره على الله واستبعاده خلقه. قوله: ﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ ﴾ الخ، أمر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يقول له قولاً ليناً، لعله يتذكر أو يخشى، فخاطبه بالاستفهام الذي معناه العرض، ليجره إلى الهدى باللطف والرفق. قوله: (أدعوك) الخ، هذا حل معنى لا حل اعراب، واعرابه أن ﴿ هَل لَّكَ ﴾ خبر مبتدأ محذوف، و ﴿ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴾ متعلق بذلك المبتدأ، والتقدير: هل ثبت لك سبيل وميل إلى التزكية. قوله: (وفي قراءة بتشديد الزاي) أي سبعية أيضاً، قوله: (بإدغام التاء الثانية) أي على التشديد، وأما على التخفيف ففيه حذف إحدى التاءين. قوله: ﴿ وَأَهْدِيَكَ ﴾ معطوف على ﴿ تَزَكَّىٰ ﴾ وقوله: (أدلك على معرفته بالبرهان) الخ؛ إشارة إلى أن الدلالة على المعرفة تحصل بعد التطهر من الشرك، فيه واجبة وجوب الفروع، وأما التطهر بالدخول في الإسلام فمن وجوب الأصول. قول: ﴿ فَتَخْشَىٰ ﴾ جعل الخشية غاية للهدى لأنها ملاك الأمور، إذ هي خوف مع تعظيم، فمن خشي ربه أتى منه كل خير، فالخشية أعظم من الخوف، واعلم أن أوائل العلم بالله، الخشية من الله، ثم الإجلال، ثم الهيبة، ثم الفناء عما سواء. قوله: ﴿ فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ عطف على محذوف تقديره: فذهب إليه وقال له ما ذكر، فطلب منه آية فأراه الخ، والضمير المستتر فيه عائد على موسى، والبارز عائد على فرعون، وهو المفعول الأول، والثاني قوله: ﴿ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ صفة للآية. قوله: (أو العصا) هذا هو التحقيق، إذ كل ما في اليد حاصل في العصا وتزيد أموراً أخرى فغاية ما في اليد انقلاب لونها، ولا شك أن العصا كما انقلبت حية، لا بد وأن يتغير لونها وتزيد القوة الشديدة، وابتلاعها أشياء كثيرة، وكونها تصير حيواناً، ثم تصير جماداً، وغير ذلك، إذ كل واحد من هذه الوجوه معجز، ولا يصح أن يراد بالآية الكبرى مجموع معجزاته، لأن ما ظهر على يده من بقية الآيات، إنما كان بعدما غلب السحرة. قوله: ﴿ فَكَذَّبَ ﴾ (فرعون موسى) أي في كون ما أتى به من عند الله. قوله: ﴿ وَعَصَىٰ ﴾ أي بعدما رأى الآيات. قوله: ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ ﴾ أي تولى وأعرض عن الإيمان. قوله: ﴿ يَسْعَىٰ ﴾ حال من الضمير في ﴿ أَدْبَرَ ﴾.
قوله: (جمع السحرة) أي للمعارضة، وقوله: (وجنده) أي للقتال، وكان السحرة اثنين وسبعين، اثنان من القبط، والسبعون من بني إسرائيل، وتقدم في الأعراف جملة أقوال في عددهم، وكانت عدة بني إسرائيل ستمائة ألف وسبعين ألفاً، وعدة جيش فرعون ألف ألف وستمائة ألف. قوله: ﴿ فَنَادَىٰ ﴾ أي نفسه أو بمناديه. قوله: ﴿ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ أي بعد ما قال له موسى: رب أرسلني إليك، فإن آمنت بربك تكون أربعمائة سنة في النعيم والسرور، ثم تموت فتدخل الجنة، فقال: حتى أستشير هامان، فاستشاره فقال: أتصير عبداً بعدما كنت رباً؟ فعند ذلك جمع السحرة والجنود، فلما اجتمعوا قام عدو الله على سريره فقال: ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾.
قوله: ﴿ نَكَالَ ﴾ منصوب على أنه مصدر لأخذ، والمعنى: أخذه أخذ نكال، أو مفعول لأجله، أي لأجل نكاله. قوله: (أي هذه الكلمة) أي قوله: ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾.
قوله: (المذكور) أي من التكذيب والعصيان والإدبار والحشر والنداء الواقع من فرعون. قوله: ﴿ لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾ أي لمن كان من شأنه الخشية، وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك.