قوله: ﴿ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ ﴾ أي حصل رجهاً وزلزلتها لتسويتها. قوله: ﴿ دَكّاً دَكّاً ﴾ ليس تأكيداً، بل التكرار للدلالة على الاستيعاب كقولك: رتبته باباً باباً، أي باباً بعد باب، وكذا يقال هنا: دكاً بعد دك حتى تزول الجبال وتستوي الأرض. قوله: (أي أمره) دفع بذلك ما يقال: إن المجيء يقتضي الانتقال، وهو على الله محال. فأجاب: بأن الكلام على حذف مضاف، أي حصل أمره وظهر سلطانه وقهره وتجليه على عباده. قوله: ﴿ صَفّاً صَفّاً ﴾ أي صفاً بعد صف. لما ورد ع ابن عباس رضي الله عنهما: أن الخلائق إذا جمعوا في صعيد واحد، الأولين والآخرين، أمر الجليل جل جلاله بملائكة سماء الدنيا أن يتولوهم فيأخذ كل واحد منهم إنساناً وشخصاً من المبعوثين، انساً وجناً ووحشاً وطيراً، وحولوهم إلى الأرض الثانية، أي التي تبدل، وهي أرض بيضاء من فضة نورانية، وصارت الملائكة من وراء الخلق حلقة واحدة، فإذا هم أكثر من أهل الأرض بعشر مرات، ثم إن الله تعالى يأمر ملائكة السماء الثانية، فيحدقون بهم حلقة واحدة، وإذا هم مثلهم عشرين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء الثالثة، فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة فإذا هم مثلهم ثلاثين ضعفاً، ثم تنزل ملائكة السماء الرابعة، فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة، فيكونون أكثر منهم بأربعين ضعفاً، ثم تنزل ملائكة السماء الخامسة، فيحدقون من ورائهم حلقة واحدة، فيكونون مثلهم خمسين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء السادسة، فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة، وهم مثلهم ستين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء السابعة، فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة، وهم مثلهم سبعين مرة، والخلق تتداخل وتندمج، حتى يعلو القدم ألف قدم لشدة الزحام، ويخوض الناس في العرق على أنواع مختلفة، إلى الأذقان وإلى الصدور وإلى الحقوين وإلى الركبتين، ومنهم من يصيبه الرشح اليسير كالقاعد في الحمام، ومنهم من تصيبه البلة، بكسر الموحدة وتشديد اللام، كالعاطش إذا شرب الماء، وكيف لا يكون القلق والعرق والأرق، وقد قربت الشمس من رؤوسهم، حتى لو مد أحدهم يده لنالها، وتضاعف حرها سبعين مرة، وقال بعض السلف: لو طلعت الشمس على الأرض كهيئتها يوم القيامة، لا حترقت الأرض وذاب الصخر وانشقت الأنهار، فبينما الخلائق يمرجون في تلك الأرض البيضاء التي ذكرها الله حيث يقول:﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ ﴾[إبراهيم: ٤٨] إذ جيء بجهنم الخ. قوله: ﴿ وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ منصوب بـ ﴿ جِيۤءَ ﴾ و ﴿ بِجَهَنَّمَ ﴾ قائم مقام الفاعل قوله: (كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك) أي يجرونها حتى تقف عن يسار العرش، قال أبو سعيد الخدري:" لما نزل ﴿ وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ تغير لون رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه، حتى اشتد على أصحابه ثم قال: أقرأني جبريل ﴿ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ﴾ الآية.
﴿ وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ قال علي رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، كيف يجاء بها؟ قال: يؤتى بها تقاد بسبعين ألف زمام، يقول بكل زمام سبعون ألف ملك، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثم تعرض لي جهنم فتقول: ما لى ولك يا محمد، إن الله قد حرم لحمك علي، فلا يبقى أحد إلا قال نفسي نفسي، إلا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يقول: يا رب أمتي أمتي ". قوله: (لها زفير) أي صوت شديد. قوله: (وتغيظ) أي غليان كغليان صدر الغضبان. قوله: (بدل من إذا) أي والعامل فيها يتذكر الذي هو الجواب، وهذا مذهب سيبويه، وقال غيره البدل على نية تكرار العامل، فالعامل في البدل محذوف، نظير عامل المبدل منه. قوله: ﴿ وَأَنَّىٰ ﴾ اسم استفهام خبر مقدم، و ﴿ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾ مبتدأ مؤخر، و ﴿ لَهُ ﴾ متعلق بما تعلق به الظرف. قوله: (استفهام بمعنى النفي) أي فهو انكاري. قوله: (للتنبيه) أي والتحسر قوله: (الخير والإيمان) أشار بذلك إلى أن مفعول ﴿ قَدَّمْتُ ﴾ محذوف. قوله: ﴿ لِحَيَاتِي ﴾ اللام إما للتعليل أي لأجل حياتي هذه الكائنة في الآخرة، أو بمعنى وقت، والمراد بالحياة الحيا الدنيوية، وقد أشار لها المفسر. قوله: (بكسر الذال) وقوله: (بكسر الثاء)، أي فأحد فاعل فيهما. قوله: (أي لا يكله إلى غيره) أي لا يأمر غيره بمباشرته، والمراد بالغيرة غير الملائكة، فلا ينافي أنه تعالى يكله إلى ملائكة العذاب، لأنهم يباشرونه بإذن الله وأمره لهم، ويحتمل أن المعنى: لا يعذب أحد من خلق الله تعذيباً، مثل تعذيب الله هذا الكافر، ولا يوثق أحد من خلق الله إيثاقاً مثل إيثاق الله لهذا الكافر، وكل صحيح. قوله: ﴿ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ أي لا يشد ولا يربط بالسلاسل الأغلال أحد مثل ربطه وشده. قوله: (وفي قراءة بفتح الذال والثاء) أي وهما سبعيتان، و ﴿ أَحَدٌ ﴾ على هذه القراءة نائب الفاعل بهما الذي هو الله تعالى، أو الزبانية المتولون العذاب بأمره تعالى. قوله: (مثل تعذيبه) مصدر مضاف للمفعول وهو الكافر.