قوله: (زائدة) هذا أحد احتمالين، والآخر أنها نافية لكلام تقدمها وتقدم ذلك قوله: (مكة) أي لأنها مهبط الرحمات، يجبى إليها ثمرات كل شيء، جعلها الله حرماً آمناً ومثابة للناس، وجعل فيها قبلة أهل الدنيا بأسرها، وحرم فيها الصيد، وجعل البيت المعمور بإزائه؛ وغير ذلك من فضائلها، فلما استجمعت تلك المزايا والفضائل، أقسم الله تعالى بها. قوله: ﴿ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ﴾ جملة حالية جيء بها تسلية له صلى الله عليه وسلم وسلم وتعجيلاً لمسرته، وحيث وعده فتح مكة في المستقبل، وعبر عنه بالحال لنحقق الوقوع على حد﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ﴾[الزمر: ٣٠] وقد أنجز الله له ذلك، فعندما نزع المغفر عنه يوم الفتح، جاء رجل فقال: يا رسول الله ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه، فقتله الزبير وخص هذا الحال، لأن مكة وإن كانت عظيمة في نفسها، إلا أنها تلك الحالة أعظم، لانتقال أهلها من الظلمات إلى النور، وفيه إشارة إلى عظم قدر المصطفى وشرف البقاع به، فمكة زادها الله تشريفاً بقدومه بها وهو حلال. قوله: (فالجملة اعتراض) أي لا تعلق لها بما قبلها ولا بما بعدها، قصد بها الإخبار بما سيكون، والأحسن جعلها حالية كما علمت لأنه يستفاد منها تشريف مكة في تلك الحالة المستلزم زيادة تشريفه صلى الله عليه وسلم وإكرامه وتعظيمه؛ حيث أحل له ما لم يحل لأحد قبله ولا بعده. قوله: ﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾ أقسم الله بهم لأنهم أعجب خلقه، لما فيهم من البيان والنطق والتدبير، واستخراج العلوم، وفيهم الأنبياء والصلحاء، ولا سيما أمر الملائكة بالسجود لآدم، وتعليمه جميع الأسماء، وما مشى عليه المفسر من أن المراد بما ورد ذريته، يستفاد منه العموم الصالح والطالح، وقيل: هو قسم بآدم والصالحين فكأنهم ليسوا من أولاده. قوله: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾ هذا هو المقسم عليه. قوله: ﴿ فِي كَبَدٍ ﴾ بفتحين المشقة من المكابدة للشيء، وهي تحمل المشاق في فعله، وفي الآية إشارة إلى أنها قد أحاطت به إحاطة الظرف بالمظروف. قوله: (يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة) وذلك لأنه أولى ما يكابد قطع سرته، ثم إذا قمط قماطاً وشد عليه، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد بنت أسنانه وتحريك لسانه، ثم يكابد الفطام الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولته، والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه والترويج، ثم يكابد شغل الأولاد والخدم والأجناد، ثم يكابد شغل الدور وبناء القصور، ثم الكبر الهرم، وضعف الركبة والقدم، ومصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدين، ويكابد محناً في المال والنفس، مثل الضرب والحبس؛ ولا يمضي عليه يوم إلا ويقاسي فيه شدة ويكابد مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم سؤال الملكين، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله تعالى، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة، وإما في نار، هكذا قرره العلماء. قوله: (وهو أبو الأشد) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة وتشديد الدال المهملة، هو بالإفراد في كثير من النسخ، تبعاً لكثير من المفسرين، وفي بعض النسخ الأشدين بصيغة التثنية تبعاً لبعض المفسرين، ولينظر وجهها، واسمه أسيد من كلدة. قوله: (بقوته) الباء سببية، ومن قوته أنه كان يجعل الأديم العكاضي تحت قدميه ويقول: من أزالني عنه فله كذا، فيجذبه عشرة حتى يتمزق ولا تزول قدماه. قوله: ﴿ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي على بعثه ومجازاته. قوله: ﴿ يَقُولُ ﴾ أي افتخاراً. قوله: (على عداوة محمد) (على) بمعنى في. قوله: ﴿ لُّبَداً ﴾ بضم اللام وكسرها مع فتح الباء، قراءتان سبعيتان، جمع لبدة وهو ما تلبد، والمراد به الكثرة. قوله: ﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾ استفهام إنكاري. قوله: (ليس ما يتكثر به) أي يفتخر بكثرته، لأنه أنفقه فيما يغضب الله.