قوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾ أي يبصر بهما المرئيات، شققناهما له وهو في ظلمة الرحم، وقدرنا بياضهما وسوادهما، وأودعناهما البصر على كيفية تعجز الخلق عن إدراكها. قوله: ﴿ وَلِسَاناً ﴾ أي يترجم به عما في ضميره. قوله: ﴿ وَشَفَتَيْنِ ﴾ أي يستر بهما فاه، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغير ذلك، وفي الحديث يقول:" يا ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعنك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق "قوله: (طريقي الخير والشر) وصف مكان الخير بالرفعة والنجدية ظاهر، بخلاف الشر، فإنه هبوط من ذروة الفطرة إلى حضيض الشقوة ففيه تغليب، والمعنى: بينا له أن طريق الخير ينجي، وطريق الشر يردي، وسلوك الأول ممدوح، والثاني مذموم، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود، وقال عكرمة: النجدان الثديان، أي لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه. قوله: (فهلا) أشار بذلك إلى أن لا بمعنى هلا للتحضيض وهو أحد احتمالين، والآخر أنها باقية على أصلها للنفي، أي لم يشكر على تلك النعم الجليلة بالأعمال الصالحة، إن قلت: لم أفردت لا، مع أنها إذا دخلت على ماض تكرر كقوله تعالى:﴿ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ ﴾[القيامة: ٣١] أجيب: بأنها مكررة في المعنى كأنه قال: فلا فك رقبة، ولا أطعم مسكيناً.


الصفحة التالية
Icon