أقسم سبحانه وتعالى بسبعة أشياء، إظهاراً لعظمة قدرته وانفراده بالألوهية، وأشار إلى كثرة مصالح تلك الأشياء وعموم نفعها. قوله: ﴿ وَضُحَاهَا ﴾ أي وهو وقت ارتفاعها. والحاصل: أن الضحوة ارتفاع النهار، والضحى بالضم والقصر فوق ذلك، والضحاء بالفتح والمد، إذا امتد النهار كاد ينتصف. قوله: (ضَوْئِهَا) هو أحد أقوال ثلاثة، وقيل: هو النهار كله، وثالثها: هو حر الشمس، وحكمة القسم بذلك، أن العالم في وقت غيبة الشمس عنهم كالأموات، فإذا ظهر أثر الصبح، صارت الأموات أحياء، وتكاملت الحياة وقت الضحوة، وهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها. قوله: (تبعها) أي ظهر ضوؤه وسلطانه بعد غروبها وخلفها في انتشار الضياء، فلا ينافي أنه قد يوجد مصاحباً لها، كالليلة الخامسة من الشهر مثلاً. قوله: (طالعاً عند غروبها) حال من ضمير (تبعها) والمراد ظهوره بعد غيبتها في أي وقت من الليل، فيشمل أول الشهر وأوسطه وآخره. قوله: ﴿ وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ﴾ الضمير المستتر المرفوع، إما عائد على ﴿ ٱلنَّهَارِ ﴾ أو على الله تعالى، والبارز المنصوب إما للشمس أو للظلمة، والمعنى: أظهرها وكشفها. قوله: ﴿ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ أتى به مضارعاً، ولم يقل غشيها للفواصل، أو إشارة لدوام القسم بهذا الأمر، واستمراره شيئاً بعد شيء، فلم يلتزم فيه صيغة الماضي، وأتى به متوسطاً، إشارة إلى أن ما قبله وما بعده محمول عليه. قوله: (يغطيها بظلمته) أي فيزيل ضوءها، فالنهار يجليها ويظهرها، والليل يغطيها ويسترها. (لمجرد الظرفية) من إضافة الصفة للموصوف، أي الظرفية المجردة عن الشرطية. قوله: (والعامل فيها فعل القسم) استشكل بأنه يلزم عليه اختلاف العامل والمعمول في الزمان، وذلك لأن فعل القسم إنشاء، وزمانه الحال، وإذا للاستقبال، وحينئذ فلا يصح عمله في إذا. أجيب: بأن فعل القسم يدل على الحال، ما لم يكن مقروناً بظرف يفيد الاستقبال كإذا، وإلا فيكون للاستقبال تبعاً لمعموله. قوله: (بسطها) أي على الماء. قوله: (بمعنى نفوس) أشار بذلك إلى أن التنكير للتكثير. قول: ﴿ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ (في الخلقة) أي عدلها على هذا القانون المحكم والتركيب المتقن. قوله: (وما في الثلاثة مصدرية) أي وبناها السماء الخ، وحينئذ فالكلام إما على حذف مضاف، أي ورب البناء والطحو والتسوية، أو القسم بتلك الأشياء، لعظمتها وجلالة قدرها، كما تقدم في القسم بالشمس ونحوه. قوله: (أو بمعنى من) أي ومن بناها الخ، وبه استدل من يجوز وقوعها على آحاد أولي العلم، لأن المراد به الله تعالى. قوله: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ الإلهام في الأصل إلقاء شيء في القلب بطريق الفيض، ينشرح له الصدر ويطمئن، ثم أطلق هنا على مطلق التبيين. قوله: (طريق الخير والشر) لف ونشر مشوش. قوله: (حذفت منه اللام) أي لطول الكلام، لأن الماضي المثبت المتصرف الذي لم يتقدم معموله عليه، إذا وقع جواباً للقسم تلزمه اللام، وقد يجوز الاقتصار على أحدهما عند طول الكلام أو للضرورة. قوله: ﴿ مَن زَكَّاهَا ﴾ الخ، الفاعل ضمير ﴿ مَن ﴾ في الموضعين، وقيل: ضمير عائد على الله، والتقدير: من زكاها الله بالطاعة، وقد خاب من دساها الله بالمعصية. قوله: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ كرر ﴿ قَدْ ﴾ إشارة لمزيد الاعتناء بمضمونها. قوله: (وأصلها دسها) مأخوذ من التدسيس وهو الإخفاء، والمعنى: أخمدها وأخفاها بالكفر والمعصية، لأن المعاصي تذل النواصي.


الصفحة التالية
Icon