قوله: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ ﴾ أي بمقتضى حكمتنا وتعلق قدرتنا، وإلا فلا يجب على الله تعالى شيء. قوله: (لتبين طريق الهدى) الخ، دفع بذلك ما يقال: إن في الآية اكتفاء، والتقدير: إن علينا للهدى والضلال أي تبيين كل منهما، وإيضاح جواب المفسر، أن المراد بالهدى التبيين ومعموله محذوف، والتقدير: إن علينا لتبيين طريق الحق من طريق الباطل. قوله: (فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ) أي فهذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾[النساء: ١٣٤].
قوله: ﴿ تَلَظَّىٰ ﴾ مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر صفة لناراً. قوله: (وقرئ) أي شذوذاً. قوله: ﴿ لاَ يَصْلَٰهَآ ﴾ مضارع صلى بكسر اللام، والمصدر صلياً بضم فكسر مع تشديد الياء. قوله: (وهذا الحصر مؤول) أي مصروف عن ظاهره، وقصد المفسر بهذا الكلام، الرد على المرجئة القائلين: لا يضر مع الإيمان ذنب، مستدلين بظاهر هذه الآية، حيث حصر دخول النار في الكفار، فمقتضاها: أن المؤمن لا يدخلها ولو فعل الكبائر، ووجه الرد: أن الآية محمولة على الدخول المؤيد، فلا ينافي أن عصاة المؤمنين يدخلونها، ثم يخرجون منها بالشفاعة. إذا علمت ذلك تعلم أن كلام المفسر لا يلاقي كل المرجئة، فكان عليه أن يقول: مؤول بحمل الصلي على التأبيد والخلود، وأما قوله: (لقوله تعالى:﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾[النساء: ٤٨]) فلا مدخل له في رد كلام المرجئة إلا أن يقال له مدخل من حيث مفهومه، إذا مفهوم (لمن يشاء) أن من لم يشأ الغفران له لم يغفر له، بل يدخله النار. قوله: ﴿ يَتَزَكَّىٰ ﴾ بدل من يؤتى أو حال من فاعله، ومشى المفسر على الثاني حيث قال (متزكياً). قوله: (وهذا نزل في الصديق) الإشارة لقوله: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ﴾.
قوله: (لما اشترى بلالاً) أي من سيده وهو أمية بن خلف، وكان الصديق رضي الله عنه يبتاع الضعفة فيعتقهم، فقال له أبوه: أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك، فقال: منع ظهري أريد، فنزلت الآية، ورد أنه كان بلال لبعض بني جمح، وهو بلال بن رباح، واسم أمه حمامة، وكان صادق الإسلام ظاهر القلب، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الشمس، فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك: أحد أحد، فمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحد ينجيك، يعني الله تعالى، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: إن بلالاً يعذب في الله، فعرف أبو بكر الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانصرف إلى منزله فأخذ رطلاً من ذهب ومضى إلى أمية بن خلف فقال: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه بما ترى، ففي رواية أنه فداه برطل من ذهب، وفي رواية أنه قال له عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك، فأعطاه له وأخذ بلالاً فأعتقه.


الصفحة التالية
Icon