قوله: ﴿ أَنَّىٰ يَكُونُ ﴾ تستعمل أني شرطية كقول الشاعر: فأصبحت أنى تأتها تستجر بها   تجد حطباً جزلاً وناراً تأججاوتستعمل اسم استفهام كما هنا فلذا فسرها بكيف ويكون ناقصة وغلام اسمها وخبرها أنى، التقدير رب يكون لي غلام علي أي حالة، فالاستفهام من أحوال الغلام لا عن ذاته. قوله: ﴿ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ ﴾ هذا أسند البلوغ للكبر، وفيما يأتي في سورة مريم أسنده لنفسه، وكلاهما صحيح لأن البلوغ من الطرفين، والجملة حالية وكذا ما بعدها. قوله: (أي بلغت نهاية السن) أي بالنسبة لأهل زماني فلا ينافي أن المتقين كان الواحد منهم يعمر الألف. قوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ خبر لمحذوف قدره، بقوله: (الأمر) وقوله من خلق غلام بيان لمرجع اسم الإشارة، والكاف في كذلك يحتمل أن تكون صلة، والمعنى قال الله الأمر ذلك، واسم الإشارة راجع إلى خلق الولد، ويحتمل أن تكون أصلية، والمعنى قال الله الأمر كذلك أي كما قلت لا تغيير فيه ولا تبيدل، فاسم الإشارة راجع إلى القول. قوله: (ألهمه السؤال) أي بقوله أنى يكون لي غلام. قوله: (ليجاب بها) علة للإلهام وقوله؛ (لإظهار) علقة لقوله: (ليجاب) فهو علة مقدمة على معاولها. إن قلت: ما الحكمة في قوله في قصة زكريا الله يفعل ما يشاء، وفي قصة مريم الله يخلق ما يشاء؟ قلت: الحكمة أن خرف العادة في عيسى أعظم من يحيى، فإن عيسى لم يكن له أب كون أمه عذراء، وأما يحيى فأبواه موجودان وأن كان هناك مانع من الحمل، فعبر في جانب عيسى بالخلق الذي هو إنشاء واختراع دون الفعل. قوله: (ولما تاقت نفسه) أي اشتاقت. قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً ﴾ أي لأزداد بها شكراً على ما أعطتيني وسروراً به. قوله: (وعلامة على حمل امرأتي) أي فإن الحمل في مبدئه خفي فطلب علامة على ظهور علوقها به. قوله: ﴿ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ﴾ أي يأتيك مانع من الله يمنعك من الكلام بغير ذكر الله. قوله: (أي بلياليها) أخذ ذلك ممن يأتي في سورة مريم جمعاً بين الموضعين والقصتين، ومن ذلك اختار بعض أكابر الصوفية أن الخلوة مع الرياضة لبلوغ المراد ثلاثة أيام بلياليها، يجعل ذكر الله فيها شعاره ودثاره ولا يتكلم فيها. قوله: ﴿ إِلاَّ رَمْزاً ﴾ استثناء منقطع على التحقيق، لأن الرمز لا يقال له كلام اصطلاحاً وإن كان كلاماً لغة، لكن ليس مراداً هنا. قوله: (أشارة) أي وكانت بسبابته اليمنى. قوله: (اواخر النهار) راجع للعشي وقوله: (واوائلة) راجع للأكابر فهو لهف ونشر مرتب، وخص هذين الوقتين لفرضية الصلاة عليه فيهما. قوله: ﴿ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ عطف على قوله إذا قالت امرأة عمران، والمناسبة بينهما ظاهرة، فإن تلك قصة الأم وهذه قصة البنت، وأما قصة زكريا فذكرت بينهما، لأن رؤية العجائب في الأول هي الحاملة لزكريا على طلب الولد. قوله: (أي جبريل) أشار بذلك إلى أنه من باب تسمية الخاص باسم العام تعظيماً له. قوله: ﴿ يٰمَرْيَمُ ﴾ الحكمة في أن الله لم يذكر في القرآن امرأة باسمها إلا هي، الإشارة بطرف خفي إلى رد ما قاله الكفار من أنها زوجته، فإن العظيم على الهمة يأنف من ذكر اسم زوجته بين الناس: فكأن الله يقول لو كانت زوجة لي لما صرحت باسمها. قوله: (من مسيس الرجال) أي ومن الحيض والنفاس وكل قذر. قوله: (أي أهل زمانك) اشار بذلك إن العالمين عام مخصوص بما عدا خديجة وفاطمة وعائشة، وهذه طريقة مرجوحة، والحق أن مريم أفضل النساء على الاطلاق ثم فاطمة ثم خديجة ثم عائشة، قال بعضهم في ذلك: فضل النسا بنت عمران ففاطمة   خديجة ثم من قد برأ اللهوبالجملة فأفضل النساء خمسة: مريم وخديجة وفاطمة وعائشة وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وكذلك مريم.


الصفحة التالية
Icon