قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الاستثناء متصل إن أريد بالإنسان الجنس، وأما إن أريد به خصوص الكافر فهو منقطع، لأن المؤمنين لم يدخلوا في عموم الخسران. قوله: ﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ أي امتثلوا المأمورات، واجتنبوا المنهيات، واعلم أنه سبحانه وتعالى، حكم بالخسران على جميع الناس، إلا من أتى بهذه الأشياء الأربعة: وهي: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والحكمة في ذلك، أن هذه الأمور اشتملت على ما يخص الإنسان في نفسه، وهو الإيمان والعمل الصالح، وما يخص غيره وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإذا جمع ذلك، فقد قام بحق الله وحق عباده. قوله: (أوصى بعضهم بعضاً) أشار بذلك إلى أن ﴿ تَوَاصَوْاْ ﴾ فعل ماض لا فعل أمر. قوله: (أي الإيمان) أي وفروعه من الطاعات، واتباع السلف الصالح، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، ونحو ذلك. قوله: ﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ ﴾ كرر الفعل لاختلاف المفعولين، والصبر وإن كان داخلاً في عموم الحق، إلا أنه أفرده بالذكر اعتناء بشأنه، لما فيه من زيادة حبس النفس والرضا بأحكام الربوبية. قوله: (على الطاعة وعن المعصية) أي وعلى البلايا والمصائب، وهذا ما ذكره المفسر، وقيل: المعنى أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم، لفي نقص وتراجع حساً، ومعنى ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ فإن الله يكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم، التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم، فإنهم وإن ضعفت أجسامهم لا ينقصون معنى؛ وعلى هذا المعنى، فتكون هذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾[التين: ٤-٦].