قوله: (أي هل عرفته) أشار بذلك إلى أن الرؤية بمعنى المعرفة، فتنصب مفعولاً واحداً، وهو الاسم الموصول، وقيل: إن الرؤية بصرية، فتتعدى لمفعول واحد أيضاً، وقيل: إنها بمعنى أخبرني، فتتعدى لاثنين: الأول الموصول، والثاني محذوف تقديره من هو. قوله: (بتقدير هو بعد الفاء) أي فاسم الإشارة خبر لمحذوف تقديره هو، و ﴿ ٱلَّذِي ﴾ بدل أو عطف بيان على اسم الإشارة، والجملة جواب شرط مقدر قدره المفسر بقوله: (إن لم تعرفه) وقرنت بالفاء لأن الجملة اسمية. قوله: ﴿ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ ﴾ كأبي جهل كان وصياً على يتيم، فجاء عرياناً يسأله من مال نفسه فدفعه، ويصح حمل الحق على الميراث، لأنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان ويقولون: إنما يجوز المال، من يطعن بالسنان، ويضرب بالحسام، ودعّ بالتشديد من باب رد، وقرئ شذوذاً بالتخفيف أي يدعوه ليستخدمه قهراً. قوله: (أي إطعامه) أشار بذلك إلى أن الحض يتعلق بالمصدر الذي هو فعل الفاعل، لا بالشيء المطعوم. قوله: (نزلت في العاص بن وائل) وقيل: نزلت في أبي جهل وقيل: في عمرو بن عائذ المخزومي، وقيل: في عبد الله بن أبي ابن سلول، وتقدم ذلك. قوله: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴾ ﴿ وَيْلٌ ﴾ مبتدأ، و ﴿ لِّلْمُصَلِّينَ ﴾ خبره، والفاء سببية، والمعنى: أن الدعاء عليهم بالويل، متسبب عن هذه الصفات الذميمة، ووضع الظاهر وهو المصلين موضع المضمر لأنهم مع التكذيب، وما أضيف إليه، ساهون عن الصلاة، غير مكترثين بها، وهذا على أن السورة كلها، إما مكي أو مدني، وعلى القول بالتنصيف، فالويل متعلق بالمصلين الموصوفين بكونهم عن صلاتهم ساهون، وما بعده فلا ارتباط له بما قبله، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر تقديره: إن أردت معرفة جزاء أهل النفاق في الصلاة وغيرها فويل الخ. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ نعت ﴿ لِّلْمُصَلِّينَ ﴾ أو بدل بيان، وكذا الموصول بعده. قوله: ﴿ عَن صَلاَتِهِمْ ﴾ إنما عبر بـ ﴿ عَن ﴾ دون في، لأن صلاة المؤمن لا تخلو عن السهو فيها، فالمذموم السهو عنها بمعنى تركها والتفريط فيها، لا السهو فيها لوقوعه من الأنبياء. قوله: (يؤخرونها عن أوقاتها) أي ولا يفعلونها بعد ذلك، ووجه تسميتهم مصلين مع أنهم تاركون لها، أنها مفروضة عليهم، فكانت جديرة بأن تضاف لهم، فتحصل أن معنى ﴿ سَاهُونَ ﴾ تاركون لها رأساً، أو إن حصلت منهم تكون رياء وسمعة، قال ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس، ويصلونها في العلانية إذا حضروا، وأما من ترك الصلاة وهو مؤمن موحد، فهو عاص، عليه أن يتوب ويقضيها، فإن مات وهو مصر على تركها فهو تحت المشيئة، وأما إن تاب وشرع في القضاء فمات قبل تمامه، فإنه مغفور له. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ ﴾ أصله يرائيون كيقاتلون، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان، حذفت الياء لالتقائمها؛ وضمت الهمزة لمناسبة الواو والمفاعلة، باعتبار أن المرائي يرى الناس عمله وهم برونه الثناء عليه، والفرق بين المنافق والمرائي، أن المنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي يظهر الأعمال مع زيادة الخشوع، ليعتقد فيه من يراه، أنه من أهل الدين والصلاح، أما من يظهر النوافل ليقتدى به، وقلبه خالص مع الله، فليس بمذموم. قوله: (في الصلاة وغيرها) أي كالصدقة ونحوها من أنواع البر. قوله: ﴿ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ ﴾ منع يتعدى لمفعولين، ثانيهما. قوله: ﴿ ٱلْمَاعُونَ ﴾ أولهما محذوف تقديره الناس حذف للعلم به، و ﴿ ٱلْمَاعُونَ ﴾ فاعول من المعن، وهو الشيء القليل، يقال: مال معن أي قليل، أو اسم مفعول من أعان يعين؛ فأصله معوون دخله القلب المكاني فصار موعون، تحركت الواو الأول وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً، وهو اسم جامع لنافع البيت، كالقدر والفأس ونحوهما، وعليه درج المفسر، لما روي عن ابن عباس قال: كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر، وهذا أحد تفاسير للماعون، وقيل: هو الزكاة، وقيل: هو ما لا يحل منعه، مثل الماء والملح والنار، ويلحق بذلك البئر والتنور، وقيل: هو المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم، ففي هذه الآية زجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإن البخل بها في نهاية البخل، قال العلماء: ويستحب أن يستكثر الرجل في بيته ما يحتاج إليه الجيران، فيعيرهم ويتفضل عليهم، ولا يقتصر على الواجب.


الصفحة التالية
Icon