قوله: (اذكر) ﴿ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ ﴾ أشار بذلك إلى أن إذ ظرف معمول لمحذوف، والمعنى أن اليهود لما تجمعوا على قتله وتحيلوا على أخذه جعل الله كيدهم في نحورهم، وقال الله يا عيسى الخ فهو من تفصيل قوله ومكر الله. قوله: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ اختلف في التوفي فقيل معناه مبلغك الأمل بأن تبلغ عمرك بتمامه ولا تموت بقتل أحد بل من الله، وقيل معناه بالنوم أي فرفع إلى السماء وهو نائم فلم يحصل له انزعاج، وقل معناه مميتك قابض لروحك لا يقال إنه يقتضي أنه يموت قبل الرفع إلى السماء لأنه يقال إن الواو لا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً فالكلام على التقديم والتأخير، والمعنى أني رافعك إليّ ومتوفيك بعد ذلك، والمقصود بشارته بنجاته من اليهود ورفعه إلى السماء، واعلم أن الأنبياء الذين أمروا بالقتال معصومون من القتل فلا خصوصية لعيسى، وأما من لم يؤمر به فلا مانع من كون الكفار يقتلونه لأنه مأمور بالصبر، وذلك كما وقع لزكريا حين نشروه بالشجرة. قوله: (قابضك) ﴿ وَرَافِعُكَ ﴾ أشار بذلك لى أن عطف ورافعك على متوفيك للتفسير وهو تقدير آخر غير ما تقدم. قوله: ﴿ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ أي إلى كرامتي وأهل قربي. وقوله: (من الدنيا) أراد بها الأرض. قوله: ﴿ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ ﴾ أي أحبوك وانتسبوا لك، فإن صدقوا بمحمد أيضاً وأحبوه أو ماتوا قبل بعثته فقد تم لهم العز دنيا وأخرى، وإن لم يصدقوا بمحمد ولم يحبوه فقد حازوا على الدنيا. (وما لهم في الآخرة من خلاق) فالنصارى له عز في الدنيا وسلطنة على اليهود إلى يوم القيامة. قوله: (وهم اليهود) أي فهو عز على خصوص اليهود لا مطلقاً ما داموا كفاراً، وذلك أنه لما رفع الله عيسى افترق أصحابه ثلاث فرق، فقالت فرقة كان الله فينا ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية، وقالت أخرى كان فينا ابن الله ثم رفعه إليه وهم النسطورية، وقالت أخرى كان فينا عبد الله ورسوله ثم رفعه الله إليه وهذ الفرقة هم المسلمون، فتظاهرت عليهم الفرقتان الكافرتان فقتلوهم، فلم يزل الإسلام منطمساً إلى أن بعث محمد. قوله: (يعلونهم بالحجة) أي يغلبونهم بالأدلة. قوله: ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ أي طافئة بعد طائفة. قوله: ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ خطاب لجميع المخلوقات. قوله: ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ﴾ تفصيل لما يؤول أمر الناس إليه في الآخرة. قوله: (بالقتل والسبي) أي مع الذل والهوان. قوله: (مانعين منه) أي من العذاب. قوله: (بالياء والنون) أي فهما قرءاتان سبعيتان. قوله: (فتعلقت به أمه) أعلم أنه بعد رفعه بسبعة أيام قال الله له اهبط إلى مريم، فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها، ولم يحزن عليك أحد حزنها، ثم لتجمعن الحواريين فبثهم في الأرض دعاة إلى الله، فأهبطه الله عز وجل، فاجتمعت له الحواريون فبثهم في الأرض، فلما أصبح الحواريون تكلم كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليه، إذا علمت ذلك، فقوله: (تعلقت به أمه) محمول على هذا الصعود الثاني، وإلا فالأول لم تعلم به وهي لا ولا أصحابه. قوله: (وبكت) أي على فراقه. قوله: (وكان ذلك ليلة القدر) إن قلت إن ليلة القدر من خصائص هذه الأمة، أجيب بأن الذي من خصائص هذه الأمة فضلها من كونها خيراً من ألف شهر، وكونها تنزل فيها الملائكة من الغروب إلى طلوع الفجر، وكون الدعاء فيها مجاباً بعين المطلوب، فلا ينافي ثبوتها في الأمم السابقة، لكن بهذا الفضل. قوله: (وله ثلاث وثلاثون سنة)أي وعليه فقيل جاءته النبوة من حين الولادة وقيل على رأس الثلاثين، وبعد هذا فما قاله المفسر ضعيف رجع عنه كما قاله سيدي محمد الزرقاني في شرح المواهب، والحق الذي اعتمده الاشياخ أنه ما رفع إلا بعد مضي مائة وعشرين سنة، وجاءته النبوة على رأس الأربعين وكغيره، وعمر أمه حين رفع على الأول ست وأربعون سنة وعاشت بعده ست سنين فيكون عمرها اثنين وخمسين، وعلى الثاني مائة وتسعة وثلاثين، واعلم أنه لما رفع كساه الله خلعة النور وسلبه شهوة الطعام والشراب والنوم، وجعل له ريشاً يطير به كالملائكة فهو حكمهم. قوله: (إنه نزل) أي على منارة بني أمية حين يضايق الدجال المهدي والخلق جميعاً، فيهرعون إلى دمشق الشام وهو محتاط بهم، فينزل عند إقامة الصلاة، فيريد المهدي التأخير فيأمره عيسى بالتقدم، فعبد الصلاة يتوجهون إلى الدجال وهو في بلد، فإذا رأى عيسى ذاب كالملح فيهزمه الله، ثم يظهر العدل والصلاح في الأرض. قوله: (ويحكم بشريعة نبينا) إن قلت إن وضع الجزية ليس من شرع نبينا. أجيب بأنه غير أن أخذها مغيى بنزول عيسى كما أخبرك بذلك نبينا فوضعها أيضاً من شرعنا (قوله سبع سنين) أي فوق الثلاث والثلاثين وهو ضعيف. قوله: (أربعين سنة) قيل من ولادته فيكون مكثه بعد النزول سبع سنين كالرواية الأولى، وقيل مبدأ الأربعين من نزوله، وعلى كونها من نزوله فعلى كونه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثون يكون عمره ثلاثاً وسبعين سنة، وعلى أنه رفع وهو ابن مائة وعشرين فيكون عمره مائة وستين. قوله: (ويصلى عليه) أي يصلي عليه المسلمون ويدفن في السهوة الشريفة، فإذا جاء يوم القيامة قام أبو بكر وعمر بين رسولين سيدنا محمد وعيسى عليهما السلام.