قوله: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ﴾ ظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور تقديره وأولئك الذين تفرقوا في العقائد عذاب عظيم مستقر لهم يوم تبيض وجوه إلخ. يعني أنه يكون ويحصل ذلك العذاب حينئذ، ويحتمل أن قوله: ﴿ يَوْمَ ﴾ مفعول المحذوف تقديره اذكر يوم تبيض وجوه. وبياض الوجه إما حقيقة فقد ورد أن وجه المؤمن يكون أضوأ من الشمس في رابعة النهار، وإما كناية عن الفرج والسرور ومثله يقال في اسوداد الوجه، وذلك حين تطاير الصحف، فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه ويقول: (هاؤم اقرؤوا كتابيه) الآية والكافر يأخذ كتابه بشماله ويقول: (يا ليتني لم أوت كتابية) الآية. قوله: ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ﴾ تفصيل لما أجمل أولاً، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر تقديره إن اردت تفصيل فأقول لك أما الذين أسودت وجوههم وقدم في التفصيل هذا القسم مبادرة بالتحذير، وليكون في الكلام حسن ابتداء وحسن اختتام، فابتدأ الآية بالبشرى وختمها كذلك. قوله: (فيلقون في النار) أي والقاؤهم مختلف، فمنهم من يؤخذ بالكلالبيب، ومنهم من يؤخذ بالنواصي والأقدام، وعلى كل حال فهم يسحبون في النار على وجوههم، وهذه الجملة خبر المبتدأ قدره المفسر، وذلك لأن الجزاء في المقابل هو الكون في الجنة، فالمناسب هنا أن يكون هو الكون في النار، وتقدير القول هنا لأجل أن يكون حذف الفاء في جواب أما مقيساً. قوله: (ويقال لهم) يحتمل أن ذلك من كلام الله لهم، ويحتمل أن ذلك على لسان الملائكة. قوله: (يوم أخذ الميثاق) دفع بذلك ما يقال إن الآية ظاهرة فيمن ارتد بعد إيمانه لا فيمن كان كافراً واستمر على كفره، وأجيب أيضاً بأن هذا يحمل على اليهود والنصارى، فإنهم كانوا مؤمنين برسول الله قبل البعثة ثم كفروا به بعدها، وأجيب أيضاً بأن قوله: ﴿ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ أي بعد ظهور الأدلة التي توجب الإيمان. قوله: ﴿ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ ﴾ فيه استعارة بالكناية حيث شبه العذاب بشيء مر يذاق، وطوي ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه وهو الإذاقة فاثباتها تخييل. قوله: ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ الباء سببية، فالكفر سبب في اذاقة العذاب، بخلاف الطاعات فلم يجعلها الله سبباً لدخول الجنة، بل دخول الجنة بمحض فضل الله، وإنما كان جزاء الكفار الخلود في النار، لأن الكفر إنكار لكمالات الله وهي لا تتناهى، فكان جزاؤه عذاباً لا يتناهى، وذلك يتحقق الخلود، بخلاف معصية المؤمن. قوله: (أي جنته) أي ففيه إطلاق الحال وإرادة المحل، فالجنة محل هبوط الرحمة والرحمة ناشئة عن ذات الله فقولهم اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك، فالمراد بالمستقر محل هبوط الرحمة وهي الجنة لا ذات الله، قوله: ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ أي الصدق. قوله: ﴿ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ أي فحيث انتقت إرادة الظلم فالظلم منفي بالأولى، لأن تعلق الإرادة في التعقل سابق على الفعل. قوله: ﴿ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي فيتصرف في ملكه كيف شاء. قوله: ﴿ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ ﴾ أي فلا مفر منه ولا محيص عنه.