قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ ﴾ مضارع استحيا ومصدره استحياء وقرئ بحذف إحدى الياءين فاختلف هل المحذوف اللام أو العين، فعل الأول وزنه يستفع وعلى الثاني وزنه يستفل، وعلى كل نقلت حركة ما بعد الساكن إليه فحذفت إما اللام أو العين، والحياء في حق الحوادث تغيير وانسكار يعتري الإنسان من فعل ما يعاب ولازمه الترك فأطلق في حق الله وأريد لزمه وهو الترك، وإنما أتى به مشاكلة لقولهم: الله عظيم يستحي أن يضرب المثل بالشيء الحقير. قوله: ﴿ أَن يَضْرِبَ ﴾ فيه حذف الجار أي من أن يضرب وقوله: (يجعل) أي فينصب مفعولين. قوله: (أو زائدة) أي وهو الأقرب والمعنى على الأول إن الله لا يستحي أن يجعل مثلاً شيئاً موصوفاً بكونه بعوضة فما فوقها وعلى الثاني إن الله لا يستحي أن يجعل مثلاً بعوضة فما فوقها. قوله: (لتأكيد الخسة) أي فليست زيادة محضة وهكذا كل زائدة في القرآن. قوله: (وهو صغار البق) يطلق البق على الناموس وعلى الأحمر المنتن الرائحة والأقرب الأول لأنه عجيب في الخلقة فله ستة أرجل وأربعة أجنحة وخرطوم طويل وذنب ومع ضعفه وصغره يقتل الجمل العظيم بمنقاره وهو القاتل للنمروذ قوله: (أي أكبر منها) أي في الجسم كالجمل مثلاً ويحتمل أن المراد بقوله: ﴿ فَمَا فَوْقَهَا ﴾ أي في الخسة كالذرة. قوله: (أي لا يترك بيانه) هذا هو معنى الإستحياء في حق الله وتقدم أنه مجاز من إطلاق الملزوم وأرادة اللازم. قوله: (لما فيه من الحكم) علة لعدم الترك. قوله: ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ شروع في بيان الحكمة المترتبة على ضرب المثل. قوله: (الواقع موقعه) صادق بالأفعال الصائبة والذات الثابتة والأقوال الصادقة. قوله: (تمميز) أي محول عن المفعول على حد (وفجرنا الأرض عيونا). قوله: (استفهام إنكار) أي بمعنى النفي. قوله: (بمعنى الذي) أي العائد محذوف أي أرادة. قوله: (أي أي فائدة) هذا زبدة معنى التركيب وقصدهم بهذا الإستفهام نفي الفائدة فيتصلون بذلك إلى إنكار كونه من عند الله قوله: (به) الباء سببية وقوله: (لكفرهم به) علة لضلالهم. وقوله: (لتصديقهم به) علة لهدايتهم. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ يطلق لفظ الفاسقين على من فعل الكبائر في بعض الأحيان وعلى من فعلها في كل الأحيان غير مستحل لها وعلى من استحلها وهو المراد هنا فقول المفسر الخارجين عن طاعته أي بالكلية وهم الكفار. قوله: (نعت) أي للفاسقين. قوله: (ما عهده إليهم) إنما فسر المصدر باسم المفعول لأن العهد الذي هو أمر الله بالإيمان بالنبي قد حصل فلا ينقض، وإنما الذي ينقض المأمور به، والمراد جملة العهد الواقع على ألسنة أنبيائهم في كتبهم، فإن الله عاهد كل نبي مع أمته من آدم إلى عيسى أنه إذا ظهر محمد ليؤمنن به ولينصرنه قال تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ﴾[آل عمران: ٨١] الآية.


الصفحة التالية
Icon