﴿ وَسَارِعُوۤاْ ﴾ أي بادروا. قوله: (بواو ودونها) أي فهما قراءتان سبعيتان، فعلى الواو تكون الجملة معطوفة على جملة واتقوا النار، وعلى عدمها تكون الجملة استئنافية، كأن قائلاً قال وما كيفية تقوى النار وبأي شيء يكون تقواها، فأجاب بقوله سارعوا إلخ، إن قلت: إن ما خالف الرسم العثماني شاذ فمقتضاه أن أحد القراءتين مخالف الرسم. أجيب: بأن المصاحف العثمانية تعددت، فبعضها بالواو وبعضها بدونها، ولا يرد هذا الإشكال إلا لو كان واحداً. قوله: ﴿ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ ﴾ أي إلى أسبابها وهو الإنهماك في الطاعات والبعد عن المعاصي. قوله: ﴿ وَجَنَّةٍ ﴾ عطفها على المغفرة من عطف المسبب على السبب، ومرادنا بالسبب الظاهري وإلا فالسبب الحقيقي هو فضل الله. قوله: (كعرضهما) أشار بذلك إلى أن في الكلام حذف مضاف وأداة التشبيه وقد صرح بهما في سورة الحديد، قال تعالى:﴿ سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ ﴾[الحديد: ٢١] واختلف هل هذا التشبيه حقيقي والمعنى لو بسطت السماوات كل واحدة بجانب الأخرى وكذلك الأرض، لكان ما ذكر مماثلاً لعرض الجنة، وأما طولها فلا يعلمه إلا الله، وإنما لم يقل طولها لأنه لا يلزم من سعة الطول سعة العرض بخلاف العكس، وهذا تفسير ابن عباس، أو مجازي وهو كناية عن عظم سعتها، وإلا فالسماوات والأرض لو اتصلت بعضها ببعض كان ما ذكر أقل مما يعطاه أبو بكر الصديق فضلاً عن غيره، لما ورد أن جبريل يسير بأجنحته الستمائة في ملكه شهراً. إذا علمت ذلك، فالمناسب للمفسر أن يقول أو العرض السعة ليفيد أنه تفسير آخر. قوله: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أي هيئت وأحضرت وقدم هذا الوصف لأن مستلزم لجميع الأوصاف، والمتقين جمع متق وهو المنهمك في الطاعات المجتنب المعاصي. قوله: (اليسر والعسر) أي الرخاء والشدة وذلك لثقته بربه واعتماده عليه، فينفق في كل زمن على حسب حاله فيه قليلاً أو كثيراً ولا يستخف بالصدقة، ففي الحديث:" اتقوا النار ولو بشق تمرة "وفي رواية" ولو بظلف محرق ". قوله: ﴿ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ ﴾ أي وهو نارية تحل في القلب تظهر آثارها على الجوارح. قوله: (الكافين على إمضائه مع القدرة) أي الكاتمين الغضب مع القدرة على العمل بمقتضاه بظواهرهم وبواطنهم، وكظم الغيظ من أعظم العبادة، ورد من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمناً وإيماناً، إن قلت: ورد عن الشافعي أنه قال من استغضب ولم يغضب فهو حمار فمقتضاه أنه مذموم ومقتضى الآية أنه من المتقين، أجيب: بأن كلام الشافعي يحمل على إذا ما رأى حرمات الله تفعل ولم ينه عنها ولم يغضب لأجلها، وقد اتفق للإمام الحسن زمن خلافته وكان حليماً جداً أن رجلاً قدم عليه ليمتحنه فصار يسبه ويتكلم فيه وهو يبتسم، فقال له الرجل إن شتمتني واحدة شتمتك مائة، قال له الحسن إن شتمتني مائة ما شتمتك واحدة فوقع على قدمه وقبلها وقال أشهد أنك على خلق رسول الله. قوله: ﴿ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ ﴾ عطف على الكاظمين من عطف العام على الخاص، لأن العفو أعم من أن يكون معه كظم غيظ أو لا، كما إذا سبه وهو غائب فبلغه ذلك فعفا عنه من غير أن يستفزه الغضب، واتفق للإمام زين العابدين أن جاريته كانت تصب عليه ماء الوضوء، فسقط الإبريق على رأسه فشج وجهه فرفع بصره لها فقالت له والكاظمين الغيظ، فقال كظمت غيظي، فقالت والعافين عن الناس فقال عفوت عنك، فقالت والله يحب المحسنين، فقال أنت حرة لوجه الله.


الصفحة التالية
Icon