قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ ﴾ شروع في ذكر التوابين بعد أن ذكر المطهرين، وبقي قسم ثالث وهم الذين أصروا على المعاصي وماتوا من غير توبة فأمرهم مفوض الله إما أن يدخلهم الجنة من غير سابقة عذاب أو يعذبهم بقدر الجرم ثم يدخلهم الجنة خلافاً للمعتزلة حيث منعوا عن غفران الذنوب لهم. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ﴾ مبتدأ أول أولئك مبتدأ ثان وجزاؤهم مبتدأ ثالث، وقوله: ﴿ مَّغْفِرَةٌ ﴾ خبر الثالث وهو وخبره خبر الثاني وهو وخبره خبر الأول، وقوله: (كالزنا) أي وغيره من الكبائر قوله: (ذنباً قبيحاً) أي كبيراً، وقوله: (بما دونه) أي كالصغائر وهذه الآية نزلت في حق رجل تمار مرت عليه امرأة وأرادت أن تشتري منه تمراً فاعجبته فقال لها إن التمر الجيد داخل الحانوت فدخل معها الحانوت وفعل معها ما عدا الإيلاج وأعطاها التمر، فتذكر هيبة الله وعقابه، فجاء لرسول الله يبكي فنزلت الآية، قوله: (أي وعيده) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: ﴿ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ﴾ أي اقلعوا عنها وتابوا.
﴿ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ ﴾ جملة معترضة بين الحال وصاحبها قصد بها التعليل، قوله: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّواْ ﴾ جملة حالية من الواو في استغفروا، قوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ جملة حالية أيضاً. وقوله: (إن الذي أتوه معصية) إشارة لمفعول يعلمون. والمعنى وليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها والنهي عنها والوعيد عليها لأنه قد يقوم على الذنوب من لا يعلم أنه ذنب. ولا يؤخذ بذلك كالمجتهدين من الصحابة في قتال بعضهم. ولذلك كان الواحد منهم إذا ظهر له الخطأ أقلع في الحال. قوله: ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ المعنى أن القصور والأشجار مشرفة على الأنهار. قوله: ﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ ﴾ نعم فعل ماض وأجر فاعل والمخصوص بالمدح محذوف قدره المفسر بقوله هذا الأجر الذي هو المغفرة أو الجنة. قوله: (ونزل في هزيمة أحد) أي تسلية للنبي وأصحابه على ما أصابهم من الحزن الذي وقع لهم في تلك الغزوة، فكأن الله يقول لهم لا يحزنوا فإن هذه سنن من قبلكم والعبرة بالخواتم وقد تم النصر لكم على أعدائكم. قوله: ﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾ من الخلو بمعنى المضي قوله: (في الكفار) أي كالعاد مع هود. وكثمود مع صالح، وكقوم نوح معه، وكقوم لوط معه، وكالنمروذ مع إبراهيم. وكفرعون مع موسى. فإن الله أمهل هؤلاء ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، فكذلك هؤلاء. قال تعالى:﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾[الأعراف: ١٨٣] وقال عليه الصلاة والسلام:" إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". قوله: (بامهالهم) أي على سبيل الاستدراج. والمعنى فلا تحزنوا مما وقع لكم فإن الله يمهل ولا يهمل. قوله: ﴿ فَسِيرُواْ ﴾ إنما قرن الفعل بالفاء لما في الجملة الأولى من معنى الشرط، كأن الله يقول إن كنتم في شك مما ذكرته لكم فسيروا في الأرض لتروا آثارهم، قوله: (أي آخر أمرهم) أي وهو الهلاك الأخروي بإخبار الله ورسله والدنيوي بالمشاهدة. قوله: (فإنما أمهلهم لوقتهم) أي المقدر لهم ولا يعجل بالعقوبة إلا من يخاف الفوات. قوله: ﴿ بَيَانٌ ﴾ إما باق على مصدريته مبالغة أو بمعنى مبين أو ذو بيان على حد زيد عدل، ولذلك يسمى القرآن أيضاً فرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل. قوله: (كلهم) أي مسلمين أو كفاراً، وإنما كان بياناً للجميع لإقامة الحجة على الكافر يوم القيامة وتعذيبه. قوله: ﴿ وَهُدًى ﴾ (من الضلالة) أي هاد من الكفر أو المعصية. قوله: ﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ راجع لقوله: ﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ ﴾ وخصهم لأنهم هم المنتفعون بذلك. قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾[ق: ٣٧].