قوله: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ ﴾ أي لا رب معبود فالقصر قصر قلب، والمقصود من ذلك الرد على المنافقين، حيث قالوا لضعفاء المسلمين إن كان محمد قتل فارجعوا إلى دينكم ودين آبائكم، فأفاد أن محمداً عبد مرسل يجوز عليه الموت لا رب معبود حتى تترك عبادة الله من أجل موته، لأن المقصود من وجوده تبليغ رسالة ربه، ولذلك نزل قرب وفاته﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً ﴾[المائدة: ٣] ولكن يجب علينا تعظيمه واحترامه حياً وميتاً، واعتقاد أن معجزاته باقية واتباعه وطاعته، قال تعلى:﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾[الأنبياء: ١٠٧] ولم يقل لأصحابك، وقال عليه الصلاة والسلام:" حياتي خير لكم ومماتي لكم فمن اعتقد أن النبي لا نفع به بعد الموت بل هو كآحاد الناس فهو الضال المضل ". قوله: ﴿ أَوْ قُتِلَ ﴾ أي فرضاً. قوله: (رجعتم إلى الكفر) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ﴾ كناية عن الرجوع للكفر لا حقيقة الإنقلاب على الأعقاب الذي هو السقوط إلى خلف، وهذه الآية قالها أبو بكر الصديق يوم وفاته صلى الله عليه وسلم حين طاشت عقول الصحابة وارتد من ارتد، حتى قال عمر: كل من قال إن محمداً قد مات رميت عنقه بسيفي، فبلغ أبا بكر الخبر فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وكشف اللثام عن وجهه وقبله بين عينيه وقال طبت يا حبيبي حياً وميتاً، كنت أود لو أفيدك بنفسي ومالي، ولكن قال الله إنك ميت وإنهم ميتون، وخرج وجمع الصحابة وصعد المنبر وخطب خطبة عظيمة قال فيها: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ ﴾ الآية، فثبت الناس حتى قال عمر: والله كأن هذه الآية لم أسمعها إلا من أبي بكر. قوله: (والجملة الأخيرة) أي التي هي قوله: ﴿ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ﴾.
قوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ ﴾ هذا رد لمن يفر من القتال خوفاً على نفسه من الموت. قوله: (لا يتقدم ولا يتأخر) أي لقوله تعالى:﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾[الأعراف: ٣٤].
قوله: ﴿ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا ﴾ أي بصرف نيته للدنيا وزخارفها تاركاً الآخرة وما فيها. قوله: (وما قسم له) من الدنيا يأتيه على كل حال، فلا فرق بين من يطلبها ومن لا يطلبها، فلا تجعل الدنيا أكبر همك ولا مبلغ علمك، بل اجعل مطمح نظرك عبادة ربك، قال تعالى:﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾[الذاريات: ٥٦] وما قدر لك فلا بد من وصوله إليك طلبته أو لا.