ومن العهد أوصافه المذكورة في كتبهم فنقضوا ذلك بتبديلهم إياها وإنكارها وعدم الإيمان بها وفي قوله تعالى: ﴿ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ ﴾ استعار بالكناية حيث شبه العهد بالحبل وطوى ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو ينقضون فاثباته تخييل، والنقض في الأصل فك طاقات الحبل والمراد منه هنا الإبطال ففيه استعارة تصريحية تبعية حيث شبه الأبطال بالنقض واستعير النقض للإبطال واشتق من النقض ينقضون بمعنى يبطلون والعهود الثلاثة عهد عام وهو عهد الله في الأزل لجميع الخلق على التوحيد وابتاع الرسل وعهد خاص بالإنبياء وهو تبليغ الشرائع والأحكام وعهد خاص بالعلماء وهو تبليغ ما تلقوه عن الأنبياء والكفار قد نقضوها. قوله: (من الإيمان) بيان لما. وقوله: (بالنبي) أي من توقيره ونصره والإيمان به ومتابعته. وقوله: (والرحم) أي ومن وصل ذي الرحم أي القرابة من الإحسان إليهم ومواساتهم والبر بهم. قوله: (وأن بدل من ضمير به) أي فإن والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر على البدلية للضمير في به. التقدير ما أمر الله بوصله ويصح أن يكون أن يوصل بدل من ما فهو في محل نصب والأول أقرب. قوله: (والتعويق عن الإيمان) عطف ويحتمل خاص على عام فإن التعويق من أكبر المعاصي. قوله: ﴿ أُولَـۤئِكَ ﴾ مبتدأ أول وهم مبتدأ ثان والخاسرون خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول، ويحتمل أن هم ضمير فصل لا محل له من الإعراب والخاسرون خبر أولئك، قوله: (لمصيرهم) علة لكونهم خاسرين. قوله: (يا أهل مكة) الأحسن العموم سواء كان للمخاطب جبناً أو إنساً من أهل مكة أو غيرها. قوله: ﴿ وَ ﴾ (قد) ﴿ كُنْتُمْ ﴾ قدر المفسر لفظ قد إشارة إلى أن الجملة حالية مع كونها ماضوية والجملة الماضوية إذا وقعت حالاً وجب اقترانها بقد إما لفظاً أو تقديراً. قوله: (في الأصلاب) إنما قدره لأجل اقتصاره على النطق وإلا ففي حالة كونهم في الرحم علقة ومضغة أموات أيضاً. قوله: ﴿ فَأَحْيَٰكُمْ ﴾ مرتب على محذوف تقديره وكنتم علقة فمضغة فأحياكم وإنما قلنا ذلك لأن الإحياء لا يكون عقب كونهم نطفاً بسرعة بل بعد مضي زمن كونهم علقة وكونهم مضغة ولو قال المفسر وقد كنتم أمواتاً نطفاً أو علقاً أو مضغاً فأحياكم لحسن الترتيب. قوله: (بنفخ الروح) الباء سببية. قوله: (والإستفهام للتعجب) التعجب استعظام أمر خفي سببه، وهو بالنسبة للخلق لا للخالق فهو مستحيل، والأحسن أن يكون الإستفهام للتعجب والتوبيخ معاً، وهو الرعد والزجر. قوله: ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ الترتيب في هذا وما بعده ظاهر، فإن بين نفخ الروح والموت زمناً طويلاً وبين الموت والإحياء بالبعث زمن طويل، وبين الإحياء والمجازاة على الأعمال كذلك. قوله: (لما أنكروه) أي استغراباً واستبعاداً، قال تعالى:﴿ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾[ق: ٣].
قوله: (أي الأرض وما فيها) أي فمراده العالم السفلي بجميع أجزائه، وأل في الأرض للجنس، فيشمل الأرضين السبع. قوله: (وتعتبروا) أي إذا تأملتم الأرض وتغير الأحوال فيها وما حوته، علمتم أن ذلك صنع حكيم قادر فينشأ عن ذلك الإعتبار كمال التوحيد، وقوله: (لتنتفوا به)، أي ظاهراً وباطناً، وهو جميع المخلوقات ما عدا المؤذيات، وأما المؤذيات كالحيات والعقارب والسباع وغير ذلك فنفعها من حيث العبرة بها، فما من شيء مخلوق إلا وفي خلقه حكمة تبهر العقول، سبحانك ما خلقت هذا عبثاً، ولما سئل الإمام الشافعي رضي الله عنه عن حكمة خلق الذباب أجاب بقوله: مذلة للملوك.