قوله: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ﴾ الخطاب قيل للنبي، وقيل لكل من يصلح للخطاب، و ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ مفعول أول و ﴿ أَمْوَاتاً ﴾ مفعول ثان و ﴿ بَلْ ﴾ للإضراب الإنتقالي و ﴿ أَحْيَاءٌ ﴾ خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله: (وهم) قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (في سبيل الله) أي طاعته، والمعنى لم يكن لهم قصد إلا إعلاء دينه، قوله: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ بل للعطف، وما بعدها خبر لمحذوف، والجملة معطوفة على ما قبلها، وهذه الحياة ليست كحياة الدنيا بل هي أعلى وأجل منها، لأنهم يسرحون حيث شاءت أرواحهم. قوله: ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ خبر ثان، والمعنى أنهم في كرامة ربهم وضيافته، وقوله: ﴿ يُرْزَقُونَ ﴾ خبر ثالث. قوله: (كما ورد في الحديث) أي وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش ". وأما أجسادهم فمحلها القبور، غير أن الأرواح لها تعلق بها، فلذلك لا يحصل لأجسادهم بلاء، فأرواحهم لها جولان عظيم من البرزخ إلى أعلى السماوات إلى داخل الجنان، والطيور الخضر لها كالهوادج مع كونها متصلة بجسم صاحبها، وما وصل للروح من النعيم يحصل للجسم أيضاً، وذلك نظير النائم، فإن النائم يرى أن روحه في المشرق أو في المغرب مع كونها متصلة بجسمه، وكالأولياء الذين أعطاهم الله التصريف، فإن الواحد منهم يكون جالساً في مكان، وروحه تسرح في أمكنة متعددة، وربك على كل شيء قدير، ولذلك قال الله تعالى في آية البقرة:﴿ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾[البقرة: ١٥٤] ومثل الشهداء الأنبياء بل حياة الأنبياء أجل وأعلى، وأما المؤمنون غير الشهداء والأنبياء فأرواحهم تسرح من القبر إلى باب الجنة، وتنظر ما أعد لها من النعيم المقيم، لكن لا تدخلها إلى يوم القيامة، وذلك يسمى عالم البرزخ، واتساعه بالنسبة للدنيا كاتساع الدنيا بالنسبة لبطن الأم. قوله: ﴿ بِمَآ آتَاهُمُ ﴾ متعلق بقوله: ﴿ فَرِحِينَ ﴾ والذي آتاهم الله من فضله هو حياتهم ورزقهم قوله: ﴿ وَ ﴾ (هم) ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ أشار بذلك إلى أن يسبتشرون خير لمحذوف، والجملة إما حالية من الضمير في فرحين أو مستأنفة، قوله: (بالذين لم يلحقوا بهم) أي في الموت، والمعنى أنهم يفرحون بما أعطاهم الله، ويفرحون بما أعد لإخوانهم الذين لم يموتوا الآن، سواء كانوا موجودين أو سيوجدون إلى يوم القيامة، لدخولهم الجنة وإطلاعهم على منازل المؤمنين فيها. قوله: ﴿ مِّنْ خَلْفِهِمْ ﴾ حال من الواو في يلحقوا، أي حال كون الذين لم يلحقوا بهم متخلفين عنهم. قوله: (المعنى يفرحون) أي المتقدمون، وقوله: (بأمنهم) أي المتأخرين. قوله: ﴿ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾ أي لهم ولإخوانهم. قوله: (بالفتح عطفاً على نعمة) أي ويكون المعنى يستبشرون بنعمة من الله وفضل وبأن الله لا يضيع إلخ، وقوله: (والكسر) استئنافاً أي في معنى العلة لما قبله، والقراءتان سبعيتان.


الصفحة التالية
Icon