قوله: ﴿ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ ﴾ أي لا تتركوهم هملاً، بل علموهم الصنائع وأمور الدنيا والدين، ولا تفرطوا في ذلك حتى تبلغوا. قوله: (بالاحتلام) أي نزول المني. قوله: (حتى إذا بلغوا) حتى ابتدائية، وإذا شرطية، وفعل الشرط قوله بلغوا، وجوابها قوله: ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ ﴾ الخ، فشرط إعطاء الولي المال لليتيم بلوغ النكاح وعلم الرشد. قوله: (عند الشافعي) أي وعند مالك وأبي حنيفة ثمانية عشر. ومن علامات البلوغ: الحيض وكبر الثدي للإناث ونبات العانة ونتن الأبط وفرق الأرنبة وغلظ الحنجرة، فإذا وجدت تلك العلامات حكم ببلوغه عند مالك، وأما عند الشافعي فلا يحكم عليه به. قوله: (أبصرتم) المناسب أن يكون علمتم، لأن الرشد يعلم ولا يشاهد بالبصر. قوله: (صلاحاً في دينهم ومالهم) هذا مذهب الشافعي، ويكفي عند مالك في الرشد إصلاح المال فقط. قوله: ﴿ فَٱدْفَعُواْ ﴾ جواب الشرط الثاني. قوله: (حال) أي من الواو في تأكلوا مؤولاً بمسرفين. قوله: (مخافة) ﴿ أَن يَكْبَرُواْ ﴾ قدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ أَن يَكْبَرُواْ ﴾ مفعول لأجله، ومفعول ﴿ بِدَاراً ﴾ محذوف تقديره ولا تأكلوها حال كونكم مسرفين فيها مبادرين لأكلها، مخافة كبرهم عليكم فيأخذوها منكم. قوله: ﴿ أَن يَكْبَرُواْ ﴾ مضارع كبر بوزن علم ومصدر كبر كعنباً. قوله: (من الأولياء) أولياء الأيتام. قوله: (أي يعف عن مال اليتيم) أي يتباعد عنه لما فيه من الوعيد العظيم الآتي في قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾[النساء: ١٠] فالواجب على الولي إن كان غنياً التباعد عن مال اليتيم بالمرة، بل ينبغي له أن لا يخلط ماله بماله، بل يعطيه لغيره ليتجر له فيه، ويكون هو ناظراً عليه. قوله: (ويمتنع من أكله) أي فإذا أكله وأطعمه لغيره ولو لمن يصنع سبحاً أو جمعاً لوالد اليتيم ضمنه إذا لم يوص الميت بذلك، وأما إن لم يكن لليتامى ولي وليس فيهم كبير رشيد، حرم الأكل من مالهم وكل من أكل شيئاً لزمه عوضه. قوله: (بقدر أجره عمله) أي ما لم تزد على كفايته، وإلا فله كفايته فقط، وهذا مذهب الشافعي، وعند مالك له أجرة مثله مطلقاً زادت عن كفايته أو لا. قوله: ﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ ﴾ مرتب على قوله: ﴿ فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ والمعنى فإذا أردتم الدفع فاشهدوا لئلا يقع اختلاف فترجعوا إلى البينة، هذا هو المشهور في المذاهب أن الولي لا يصدق في الدفع إلا ببينة تشهد أنه دفعه لهم بعد رشدهم، فإن لم تكن بينة غرمه، وهناك قول ضعيف عند مالك وهو أنه يصدق في الدفع بيمين، فعلة الإشهاد على هذا القول لئلا يحلف الولي، والفرق بين الأمين والوصي أن الوصي لما كان له التصرف في مال اليتيم كان ضامناً إلا ببينة تشهد بالدفع، والأمين لا تصرف له في الأمانة فصدق بيمين في الدفع، ولذا إذا انصرف فيها كانت متعلقة بذمته، فلا يصدق في دفعها إلا ببينة كالدين. قوله: (وهذا أمر إرشاد) أي تعليم لمصالح الدنيا فهو أمر ندب. قوله: (الباء زائدة) أي في فاعل كفى، فلفظ الجلالة فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائدة، وفي قوله: ﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً ﴾ وعد حسن لمن كان سليماً ولم يلتمس من مال اليتيم شيئاً، ولو اتهمه اليتيم بأكله ظلماً وعدواناً، ووعيد لمن أكله وظلمه وإن لم يثبت عليه ذلك. قوله: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ ﴾ سبب نزولها أن أوس بن ثابت توفي وترك امرأته واسمها أم كحة وثلاث بنات، وأقام وصيين واسمهما سويد وعرفجة ولدا عمه، فأخذا المال جميعه فجاءت المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: مات أوس بن ثابت وترك ثلاث بنات، وأنا امرأته ولم يكن عندي ما أنفقه عليهن، وترك مالاً حسناً، فأخذه سويد وعرفجة ولم يعطياني ولا بناته شيئاً، فدعاهما النبي فقالا أولادهما يركبن فرساً، ولا يحملن كلاً، ولا ينكين عدواً، فنزلت هذه الآية، وبيّن أن الإرث غير مختص بالرجال البالغين، وأوقف النبي التركة حتى نزلت﴿ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ ﴾[النساء: ١١]، فأعطى الزوجة الثمن، والبنات الثلثين، وابني عمه ما بقي. قوله: (الأولاد) أخذه من قوله: ﴿ ٱلْوَالِدَانِ ﴾.
وقوله: (والأقرباء) أخذه من قوله: ﴿ وَٱلأَقْرَبُونَ ﴾.
قوله: ﴿ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ ﴾ بدل من قوله: ﴿ مِّمَّا تَرَكَ ﴾ قوله: ﴿ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾ مفعول ثان لفعل محذوف قدره بقوله: (جعله الله). قوله: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ معنى ذلك إذا مات الميت وترك من يرف ومن لا يرث، وحضر جميعهم قسمة الميراث، طلب الشارع إعطاء من لا يرث، وكذا المساكين واليتامى شيئاً قبل القسمة جبراً لخاطرهم، باجتهاد من يقسم التركة بحسب قلة المال وكثرته، واختلف هل هذا منسوخ هو الحق، وقيل ليس بمنسوخ، واختلف على هذا هل الأمر للوجوب أو الندب وهو المعتمد على هذا القول. قوله: (إذا كانت الورثة صغاراً) أي أو التركة قليلة.


الصفحة التالية
Icon