قوله: ﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ ﴾ سيأتي في المفسر سبب نزولها، وهو تمني أم سلمة كونها من الرجال، وذلك لأن الله فضل الرجال على الناس بأمور منها: الجهاد والجمعة والزيادة في الميراث وغير ذلك، والتمني هو التعلق بحصول أمر في المستقبل، عكس التلهف لأنه التعلّق بحصول أمر في الماضي، فإن تعلق بانتقال ما لغيره له أو لغيره مع زواله عنه، فهو حسد مذموم، وهو معنى قوله تعالى:﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾[النساء: ٥٤] وفي ذلك قال ابن حنبل: أَلاَّ قُلْ لِمَنْ بَاتَ لي حَاسِداً أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الأدَبَأَسَأت عَلَى اللهِ في فِعْلِهِ كَأنَّكَ لَمْ تَرْضَ لي مَا وَهَبَفَكَانَ جَزَاؤُكَ أَنْ خَصَّنِي وسَدَّ عَلَيْكَ طَرِيقُ الطَّلَبوإن تعلق بمثل ما لغيره مع بقاء نعمته، فإن كان تقوى أو صلاحاً وإنفاق مال في الخير فهو مندوب، وهو المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام" لا حد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس "وأما إن كان تمني المال لمجرد الغنى فهو جائز. قوله: (وغيره) أي من أنواع البر، كالصلاة والصوم وغيرهما. قوله: (من طاعة أزواجهن) أي لما في الحديث:" لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "وفي الحديث:" إذا بات الرجل غضباناً على زوجته باتت الملائكة تلعنها إلى الصباح "قوله: (أم سلمة) أي وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ترتب على تمنيها نزول تلك الآية، ونزول قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ ﴾[الأحزاب: ٣٥] إلى قوله:﴿ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾[الأحزاب: ٣٥].
قوله: (ليتنا كنّا رجالاً) أي ينتقل لنا وصفهم، ولا خصوصية لأم سلمة بهذا التمني، فقد تمنى مثلها جماعة من النسوة، وقيل سبب نزولها تمني الرجال أن الله كما فضلهم على النساء في الدنيا، يفضلهم عليهن في الآخرة. قوله: (بهمزة ودونها) أي فهما قراءتان سبعيتان. والحاصل أن هذه المادة إن وردت بغيرهما فالقراءة بدون الهمزة لا غير، نحو:﴿ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾[البقرة: ٢١١]، وإن وردت لغائب مع الواو أو الفاء نحو:﴿ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾[الممتحنة: ١٠]، فالقراءة بالهمزة لا غير. قوله: ﴿ وَلِكُلٍّ ﴾ أي لكل من مات من الرجال أو النساء موالي، أي ورثة يرثونهم، وقوله: ﴿ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ ﴾ أي من المال الذي تركه الوالدان والأقربون إن ماتوا، وهذا حل المفسر، وقال غيره إن قوله: ﴿ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ ﴾ بيان للموالي فيكونون وارثين لا موروثين، وكل صحيح، والأقرب الأول وعليه ابن عباس، والقصد بذلك نسخ ما كانت عليه الجاهلية من توريث الخلفاء، فكان الواحد منهم يأخذ بيمين صاحبه ويقول له دمي دمك وهدمي هدمك، أعقل عنك وتعقل عني، وأرثك وترثني، وقد كان في صدر الإسلام لكل واحد من صاحبه السدس، ثم نسخ بهذه الآية، أو بقوله تعالى:﴿ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾[الأنفال: ٧٥، الأحزاب: ٦] كما يأتي، وقوله: دمي دمك أي أنت ولي دمي وأما ولي دمك، وقوله: هدمي هدمك بفتح الحاء وسكون الدال أي إذا وقع بيننا قتل كان المقتول منا هدراً، وقوله أعقل عنك وتعقل غني، أي إذا ألزمتك دية شاركتك فيها وأنت كذلك. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ﴾ مبتدأه خبره قوله: ﴿ فَآتُوهُمْ ﴾ وقد فرضه المفسر في تحالف الجاهلية، وبعضهم فرضه في مؤاخاة النبي بين المهاجرين والأنصار، وكل صحيح، وعلى كل فالميراث لهم منسوخ. قوله: (بألف ودونها) أي فهما قراءتان سبعيتان. وروي عن حمزة التشديد مع حذف الألف. قوله: ﴿ فَآتُوهُمْ ﴾ (الآن) أي في صدر الإسلام، وقد علمت أن المفسر فرضه في تحالف الجاهلية، ويجوز فرضه في مخالفة المهاجرين مع الأنصار. قوله: (وهذا منسوخ) أي قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ﴾ الآية. قوله: (بقوله وأولوا الأرحام) وقيل منسوخ بالآية قبلها، والواقع أن كلاً ناسخ لها.