قوله: ﴿ وَ ﴾ اذكر ﴿ إِذْ قُلْنَا ﴾ أشار المفسر بذلك إلى أن إذ ظرف عاملها محذوف والتقدير واذكر وقت قولنا إلخ إن قلت إن المقصود ذكر القصة لا ذكر الوقت، أجيب بأن التقدير ذكر القصة الواقعة في ذلك الوقت، ومحصل ذلك أنه بعد خلق آدم ونفخ الروح فيه، وعرض المسميات على الملائكة، وإنباء آدم لهم بالأسماء أمرهم بالسجود له لأنه صار شيخهم، ومن حق الشيخ التعظيم والتوقير، وكان ذلك كله خاوٍ. قوله: (بالإنحناء) أشار بذلك إلى أن المراد السجود اللغوي وهو الإنحناء كسجود إخوة يوسف وأبويه له وهو تحية الأمم الماضية، وأما تحيتنا فهي السلام، وعليه فلا إشكال، وقال بعض المفسرين إن السجود شرعي بوضع الجبهة على الأرض، وآدم قبله كالكعبة، فالسجود لله وإنما آدم قبله، والآية محتملة للمعنيين ولا نص بعين أحدهما، وعلى الثاني فاللام بمعنى إلى أي اسجدوا جهة آدم فاجعلوه قبلتكم. قوله: ﴿ فَسَجَدُواْ ﴾ أي الملائكة كلهم أجمعون بدليل الآية الأخرى، فالخطاب بالسجود لجميع الملائة على التحقيق لا الملائكة الذين طردوا بني الجان. قوله: ﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ قيل مشتق من إبلس إبلاساً بمعنى بئس وهذا هو اسمه في اللوح المحفوظ. فائدة: قال كعب الإحبار: إن إبليس اللعين كان خازن الجنة أربعين ألف سنة، ومع الملائكة ثمانين ألف سنة، ووعظ الملائكة عشرين ألف سنة، وسيد الكروبيين ثلاثين ألف سنة، وسيد الروحانيين الف سنة، وطاف حول العرش أربع عشر الف سنة، وكان اسمه في سماء الدنيا العابد، وفي الثانية الزاهد، وفي الثالثة العارف، وفي الرابعة الولي، وفي الخامسة التقي، وفي السادسة الخازن، وفي السابعة عزازيل، وفي اللوح المحفوظ إبليس وهو غافل عن عاقبة أمره. قوله: (هو أبو الجن) هذا أحد قولين والثاني هو أبو الشاطين فرقة من الجن ولم يؤمن منهم أحد. قوله: (كان بين الملائكة) أشار بذلك إلى أن الإستثناء منقطع وأنه ليس من الملائكة، قال في الكشاف لما اتصف بصفات الملائكة جمع معهم في الآية واحتج إلى استثنائه، ويدل على ذلك قوله تعالى:﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ ﴾[الكهف: ٥٠] وكررت قصة إبليس في سبعة مواضع: في البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وطه و ص تسلية له صلى الله عليه وسلم، وعبرة لبني آدم، فلا يغتر العابد ولا يقنط العاصي، ويحتمل أن الإستنثاء متصل وقوله تعالى:﴿ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ ﴾[الكهف: ٥٠] أي في الفعل والأقرب الأول. قوله: ﴿ وَٱسْتَكْبَرَ ﴾ من عطف العلة على المعلول أي أبى وامتنع لكبره والسين للتأكيد. قوله: (وقال أنا خير منه) هذا وجه تكبره وبين وجه الخيرية في الآية الأخرى، قوله تعالى:﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾[الأعراف: ١٢] قال بعض المفسرين: وذلك مردود بأمور، منها أن آدم مركب من العناصر الأربع بخلاف إبليس فلا وجه للخيرية، ومنها أن الله هو الخالق لكل شيء ولا يعلم الفضل إلا هو، فله أن يفضل من شاء من على من يشاء، ومنها غير ذلك. قوله: (في علم الله) دفع ذلك ما قيل إنه لم يكن كافراً بل كان عابداً وإنما كفر الآن، ويجاب أيضاً بأن كان بمعنى صار.


الصفحة التالية
Icon