قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ﴾ الخطاب للمكلفين لما سيأتي أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: ﴿ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ ﴾ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول ثانٍ ليأمر، والأصل يأمركم تأدية الأمانات، أو منصوب ينزع الخافض، لأن حذفه مع أن وإن مطرد، ويقال في ﴿ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ ﴾ ما قيل فيه لأنه معطوف عليه، وقوله: ﴿ إِذَا حَكَمْتُمْ ﴾ ظرف له، ولا يقال يلزم عليه تقديم معمول الصلة عليها، لأنه يقال إنه ظريق ويغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره. قوله: (من الحقوق) اعلم أن الأمانات ثلاثة أقسام، الأول: عبادات الله بأن يفعل المأمورات ويجتنب المنهيات، الثاني: نعمه التي أنعم بها كالسمع والبصر والعافية وغير ذلك فلا يصرفها فيما يغضب الله، الثالث: حقوق العباد كالودائع وغيرها فيجب على الإنسان تأدية الأمانات مطلقاً، كانت قولية أو فعلية أو اعتقادية، فالقولية كحفظ القرآن، والفعلية كحفظ الودائع والعواري، والاعتقادية كالتوحيد وحسن الظن بالخلق، وبالجملة فهذه الآية من جوامع الكلم، وهي بمعنى قوله تعالى:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾[الأحزاب: ٧٢] الآية على التحقيق. قوله: (نزلت لما أخذ علي مفتاح الكعبة الخ) قال البغوي قلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار وكان سادن الكعبة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح قيل له إنه مع عثمان. فطلب منه فأبى وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح، فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ المفتاح وفتح الباب، ودخل رسول الله البيت وصلى فيه ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح لتجتمع له السقاية والسدانة، فأنزل الله هذه الآية، فأمر رسول الله علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر له، ففعل ذلك، فقال عثمان أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق، فقال علي لقد أنزل الله في شأنك قرآناً وقرأ عليه الآية فأسلم، فكان المفتاح معه إلى أن مات، فدفعه إلى أخيه شيبة فهي في أولادهم إلى يوم القيامة. قوله: (الحجبي) أي الذي يحجب الناس بمعنى يمنعهم من الدخول. قوله: (سادنها) أي خادمها، وقوله: (قسراً) أي قهراً قوله: (لما قدم النبي) ظرف لأخذ وكان ذلك في رمضان، وقوله: (عام الفتح) أو وهو سنة ثمان. قوله: (وقال لو علمت الخ) أي فهو غير مصدق برسالته، وإلا فذاته إذ ذاك غير خافية على أحد. قوله: (خالدة تالدة) أي مخلدة في المستقبل كما كانت متأصلة فيكم. قوله: (فعمومها معتبراً الخ) أشار بذلك لما قيل في العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومحل ذلك إن توجد قرينة الخصوص فيكون معتبراً، كالنهي عن قتل النساء، فإن سببه أن رسول الله رأى امرأة حربية مقتولة، فذلك يدل على اختصاصه بالحربيات، فلا يدخل فيه المرتدة ولا الزانية. قوله: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ ﴾ فيه فصل بين المعطوف والمعطوف عليه وهو جائز إذا كان ظرفاً. قوله: ﴿ نِعِمَّا ﴾ بكسر النون اتباعاً لكسرة العين، وأصله نعم على وزن علم. قوله: (أين نعم شيئاً) أشار بذلك إلى أن ما مميز، ويكون الفاعل مستتراً وجوباً تقديره وجوباً تقديره نعم هذا الشيء شيئاً، والمخصوص بالمدح محذوف قدره بقوله: (تأدية الأمانة) وقيل أن ما فاعل، وقد ذكر القولين ابن مالك بقوله: وَمَا مُمَيِّزٍ وقِيلَ فَاعِلٍ   فِي نَحْوِ نَعم مَا يَقُولُ الفَاضِلُقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ هذا خطاب لسائر الناس، بعد أن خاطب ولاة الأمور بالحكم بالعدل، وفي هذه الآية إشارة لأدلة الفقه الأربعة، فقوله: ﴿ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ ﴾ إشارة للكتاب، وقوله: ﴿ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾ إشارة للسنة، وقوله: ﴿ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ ﴾ إشارة للإجماع، وقوله: ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ ﴾ الخ، إشارة للقياس. قوله: ﴿ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ ﴾ يدخل فيه الخلفاء الراشدون، والأئمة المجتهدون، والقضاة والحكام. قوله: (أي إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله) إي لا بمعصية فلا يطاعوا في ذلك، لما في الحديث" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "قوله: ﴿ فِي شَيْءٍ ﴾ أي غير منصوص عليه. قوله: (مدة حياته) أي بسؤال، وقوله: (إلى سنته) أي فيعرض عليها. قوله: ﴿ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ ﴾ أي فردوه. قوله ﴿ ذٰلِكَ خَيْرٌ ﴾ اسم التفضيل ليس على بابه بقرينه ﴿ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ ﴾ فمخالفة ما ذكر ليس فيها خير، بل هي شر وضلال. قوله: (مآلا) أي عاقبة. قوله: (ونزل لما اختصم يهودي الخ) حاصلها تفصيلاً، قال ابن عباس: نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر، كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: تنطلق إلى محمد، وقال المنافق: ننطلق إلى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الطاغوت، فإن اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال انطلق بنا إلى عمر، فقال اليهودي اختصمت أنا وهذا إلى محمد، فقضى عليه، فلم يرض بقضائه، وزعم أنه يخاصمني إليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ فقال نعم، فقال لهما عمر: رويداً حتى أخرج إليكما، فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج، فضرب به المنافق حتى برد أي مات، وقال هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، فنزلت هذه الآية، وقال جبريل: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق، وإنما دعا المنافق لكعب بن الأشرف لأنه يقبل الرشوة، والنبي لا يقبلها بل يحكم بالحق، وكان الحق إذ ذاك مع اليهودي.


الصفحة التالية
Icon