قوله: ﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ ﴾ شروع في ذكر صلاة القسمة في الخوف. واعلم أن صلاة الخوف على أقسام، فتارة يكون العدو في غير تجاه القبلة، وفي هذا القسم تكون صلاة القسمة، وهي على كيفيتين: الأولى: أن يقسم الجيش طائفتين، فطائفة تقف تجاه العدو، وطائفة تصلي مع الإمام بتمامها، فبعد السلام تنصرف للعدو، ويأتي الطائفة الثانية فيعبد الإمام بهم الصلاة ثانياً فصلاة الطائفة الأولى فرض خلف فرض، والثانية فرض خلف نفل، وهذه الكيفية انفرد بها الإمام الشافعي. الثانية: أن يصلي بكل طائفة ركعة في الثنائية وركعتين في الرباعية، وبالطائفة الأولى ركعتين في الثلاثية والثانية ركعة، وبها قال مالك والشافعي أيضاً، لكن مالك يقول بها وإن كان العدو تجاه القبلة، وتارة يكون العدو تجاه القبلة، وهي على قسمين أيضاً: إما أن يتقدم الإمام ويقف الجيش خلفه صفوفاً، فعند ركوع الإمام تركع طائفة مع الإمام ويصلون جميعاً معه ويركعون ويسجدون، وبها أخذ مالك، وتارة يلتحم القتال فيصلون كيف شاؤوا، وحل للضرورة مشي وركض وإمساك ملطخ، وهذه الكيفية عند مالك والشافعي، وعند أبي حنيفة إن ضاق الوقت قدموا القتال وأخّروا الصلاة ثم يقضونها، وتفاصيل هذه الأقسام مبينة عند أرباب المذاهب. قوله: (وتتأخر طائفة) أي بإزالة العدو. قوله: (أي صلوا) أي شرعوا في الصلاة. قوله: ﴿ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ ﴾ أي وهي الواقعة تجاه العدو. قوله: ﴿ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ ﴾ أي صلاة ثانية، أو يتيمموا معك الصلاة فالأولى. قوله: ﴿ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾ إنما زاد هنا الأمر بالحذر لكونها مظنة تنبه الكفرة على تلك الطائفة، وأما في الطائفة الأولى فلم ينتبهوا لهم. قوله: (ببطن نخل) سببه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى مع أصحابه جميعاً الظهر، فتنبه المشركون وقال بعضهم لبعض إنا نظفر بهم في أوقات الصلاة، وتحزب المشركون على ذلك، فنزل جبريل على رسول الله بالآية، وعلمه صلاة القسمة ففعلها في صلاة العصر، وقد مشى المفسر على أن هذه الآية في صلاة بطن نخل، وهو موضع من نجد إلى أرض غطفان، بينه وبين المدينة يومان، وقال غيره إنها في صلاة أرض عسفان، وقال آخرون إنها في ذات الرقاع. قوله: ﴿ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الخ، سبب نزولها كما قال ابن عباس،" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا بني محارب وبني أنمار، فنزلوا لا يرون من العدو أحداً، فوضع الناس السلاح، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته حتى قطع الوادي، والسماء ترش بالمطر، فسال الوادي فحال السيل بين رسول الله وبين أصحابه فجلس تحت شجرة، فبصر به غورث بن الحرب المحاربي فقال: قتلني الله إن لم أقتله، ثم انحدر من الجبل ومعه السيف، ولم يشعر به رسول الله إلا وهو قائم على رأسه، وقد سل سيفه من غمده وقال: يا محمد من يمنعك مني الآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله، ثم قال: اللهم اكفني غورث بن الحرب بما شئت، فأهوى غورث بالسيف ليضرب رسول الله، فأكب بوجهه من زلخة زلخها فندر السيف من يده فقام رسول الله وأخذ السيف ثم قال: يا غورث من يمنعك مني الآن، فقال: لا أحد، فال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فقال: لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك ولا أعين عليك عدواً فأعطاه رسول الله سيفه، فقال غورث: أنت خير مني، فقال رسول الله: أنا أحق بذلك منك، فرجع غورث إلى أصحابه فقالوا له: ويلك يا غورث ما منعك منه، فقال: والله لقد أهويت إليه بالسيف لأضربه به، فوالله ما أدري من زلخني بين كتفي فخررت، وذكر لهم حاله مع رسول الله. قال وسكن الوادي، فقطع رسول الله الوادي إلى أصحابه وأخبرهم الخبر وقرأ هذه الآية، "والزلخة الدفعة. قوله: ﴿ لَوْ تَغْفُلُونَ ﴾ أي غفلتكم. قوله: ﴿ فَيَمِيلُونَ ﴾ أي: يشتدون. قوله: ﴿ مِّن مَّطَرٍ ﴾ أي لأنه يفسد بالماء. قوله: ﴿ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ ﴾ أي لا طاقة لكم على حمله. قوله: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ ﴾ أي صلاة الخوف أي تمتموها على الوجه المبين. قوله: ﴿ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ﴾ الأمر للندب لأنه في الفضائل، وقوله: (بالتهليل والتسبيح) أي والتحميد والتكبير. قوله: (في كل حال) أي فالمراد من قوله: ﴿ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ﴾ الأحوال. قوله: ﴿ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ ﴾ أي التي دخل وقتها حينئذ، ومعنى إقامتها أداؤها بالشروط والأركان. قوله: (مقدراً وقتها) أي مفروضاً وقتاً بعد وقت. قوله: (لما بعث) المناسب أن يقول لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر من حضر بالخروج لطلب أبي سفيان وأصحابه، وقوله: (طائفة) أي وهي جميع من حضر أحداً من المؤمنين الخالصين وكانوا ستمائة وثلاثين. قوله: (لما رجعوا من أحد) أي فرغوا من وقعتها، والضمير عائد على الصحابة، فحينئذٍ همَّ أبو سفيان وتشاور مع أصحابه في العود إلى المدينة ليستأصلوا المسلمين، فبلغ ذلك رسول الله، فنادى في اليوم الثاني من وقعة أحد، ليخرج من كان معنا بالأمس ولا يخرج معنا غيرهم، فخرجوا حتى بلغوا إلى حمراء الأسد، وتقدم ذلك في آل عمران.