قوله: ﴿ فِي ﴾ (شأن) ﴿ ٱلنِّسَآءِ ﴾ أي ما يتعلق بهن من دفع المهر لهن وعدم إيذائهن. قوله: (وميراثهن) عطف خاص رداً على من كان يمنعه من الجاهلية. قوله: ﴿ يُفْتِيكُمْ ﴾ أي يبين لكم تلك الأحكام. قوله: ﴿ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ يحتمل أن ما معطوف على لفظ الجلالة، أو على الضمير المستتر في يفتيكم، والفاصل موجود وهو الكاف، لقول ابن مالك: وَإنْ عَلَى ضَمِير رَفْع مُتَّصِل عَطفت فَافْصُلْ بِالضَّمِيرِ المُنْفَصِلِأو فاصل ما، وعلى كل فيكون المفتي اثنين: الله سبحانه وتعالى وكتابه والتغاير بالاعتبار، فالمعنى يفتيكم بنفسه على لسان نبيه، فتأمل، وفيه مزيد اعتناء بتلك الفتوى. قوله: (من آية الميراث) أي وهي قوله تعالى:﴿ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ ﴾[النساء: ١١] الآيات، وكذلك الوصية التي تقدمت في أوائل السورة كقوله:﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾[النساء: ١٩] فالمناسب للمفسر أن لا يقتصر على آية الميراث. قوله: (ويفتيكم أيضاً) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ﴾ متعلق بمحذوف معطوف على الضمير في قوله: ﴿ فِيهِنَّ ﴾ العاطف محذوف، التقدير الله وكتابه يفتيكم في شأن النساء عموماً، والله وكتابه يفتيكم في يتامى النساء، فهو من عطف الخاص على العام والنكتة الاعتناء بشأنهن. قوله: ﴿ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ﴾ الإضافة على معنى من أي اليتامى من النساء، أو من إضافة الصفة للموصوف أي النساء اليتامى. قوله: (من الميراث) أي وباقي الحقوق كالمهور. قوله: (عن) ﴿ أَن تَنكِحُوهُنَّ ﴾ معلوم أن حذف الجار مع أن وإن مطرد، وإنما قدر عن إشارة إلى أن الرغبة بمعنى الزهد فتعدى بعن، وبعضهم قدر في إشارة إلى أن الرغبة بمعنى الحب، والمعنى تحبون وترغبون في نكاحهن لمالهن، ولولا ذلك ما تزوجتموهن، وهو مذموم أيضاً، بل الواجب تقوى الله فيهن، فإن أكل مال اليتيم فيه الوعيد الشديد، فضلاً عن كون اليتيم امرأة لا ناصر لها، روى مسلم عن عائشة قالت: هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن ينقص صداقها. فنهوا في نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن، قالت عائشة رضي الله عنها: فاستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ﴾ فبين لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها، ولم يلحقوا بسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوباً عنها في قلة المال والجمال والتمسوا غيرها قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق، وقد تقدم بسط ذلك أول السورة. قوله: (لدمامتهن) أي فقرهن. قوله: (وتعضلوهن) أي تمنعوهن، وهذا التخويف للأولياء كما هو مقتضى المفسر، وفي الحقيقة هو عام للأولياء، ومن يتزوج بها فتخويف الولي من حيث عضلهن عن الزواج لأخذ مالهن، وتخويف الزوج من حيث تزوجها لأخذ مالها، أو بغير مهر مثلها وعدم إعطائها إياه، وبالجملة فلا يجوز لولي ولا زوج أكل مال اليتيم ميراثاً أو مهراً. قوله: ﴿ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ ﴾ معطوف على يتامى عطف عام على خاص. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ ﴾ أي ذكوراً أو إناثاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون الصبيان مطلقاً ولا النساء، وإنما كانوا يقولونك لا نورث إلا من يحمي الحوزة ويذب عن الحرم، فيحرمون المرأة والصبي. قوله: ﴿ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ فِي يَتَٰمَى ﴾ من عطف العام أيضاً، ويصح نصبه بإضمار فعل، وهو الذي مشى عليه المفسر بقوله: ﴿ وَ ﴾ (يأمركم) وهو خطاب للأولياء والحكام، والمراد باليتامى مطلقاً ذكوراً أو إناثاً. قوله: ﴿ مِنْ خَيْرٍ ﴾ بيان لما. قوله: (مرفوع بفعل يفسره) ﴿ خَافَتْ ﴾ أي فهو من باب الاشتغال، ولا يصح جعله مبتدأً، لأن أداة الشرط لا يليها إلا الفعل ولو تقديراً، ونظيره وإن أحد من المشركين استجارك.