قوله: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ قيل سبب نزولها أن غنياً وفقيراً اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن الفقير لا يظلم الغني، فنزلت الآية، فالخطاب للنبي وأمته. قوله: (قائمين) هذا بيان لأصل المادة، وإلا فالمراد مد يمين القيام، لأن صيغة المبالغة لا تتحقق إلا بالدوام على القيام بالقسط، يقال قسط يقسط، جار وعدل، والمراد هنا العدل بقرينة المقام، وأما أقسط فمعناه عدل لا غير، واسم الفاعل من الأول قاسط، ومن الثاني مقسط. وقوله: ﴿ شُهَدَآءَ ﴾ خبر ثان لكونوا، والواو اسمها، وقوامين خبر أول. قوله: (بالحق) أي لا بالباطل فلا تجوز الشهادة به، وقوله الله أي لمحض وجهه لا لغرض آخر. قوله: ﴿ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ ﴾ الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لكان المحذوفة، لأن حذف كان مع اسمها بعد لو كثير، قال ابن مالك: وَيَحْذُفُونَهَا وَيُبْقُونَ الخَبَر   وَبَعْدَ أَنْ وَلَوْ كَثِيراً ذَا اشْتَهَرأي هذا إذا كانت الشهادة على الغير، ولو على النفس. قوله: (بأن تقروا بالحق) أي فالمراد بالشهادة الإقرار، ويحتمل أن تكون الشهادة على حقيقتها، وهي الإخبار عن الغير بأمر، كأن يكون شاهداً على ابنه مثلاً بحق، فالواجب أداؤها ولو حصل منها ضرر للنفس. قوله: ﴿ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ ﴾ في حيز المبالغة، ولا عبرة بغضبهما حينئذٍ إذا كان الولد شاهداً عليهما بحق. قوله: ﴿ إِن يَكُنْ ﴾ (المشهود عليه) أي من الوالدين والأقربين والأجانب. قوله: ﴿ فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ﴾ استشكل تثنية الضمير مع كون العطف بأو، أجيب بأن الضمير ليس عائداً على الغني والفقير المتقدمين، بل هو عائد على جنسهما المدلول عليه بالمذكورين، ويدل على ذلك قراءة أبي فالله أولى بهم، وأجيب أيضاً بأن أو للتقسيم للمشهود له والمشهود عليه، لأنهما إما أن يكونا غنيين أو فقيرين، والمشهود له غنياً، والمشهود عليه فقيراً، أو بالعكس، فالضمير في الحقيقة عائد على المشهود له والمشهود عليه، وقد يجاب أيضاً بأن أو بمعنى الواو. قوله: (لرضاه) أي الغني فربما واساكم. وقوله: (بأن تحابوا) تصوير للمنفي. قوله: ﴿ أَن ﴾ (لا) ﴿ تَعْدِلُواْ ﴾ تعليل للنهي، لأن من اتّبع الهوى فقد اتصف بالجور، ومن ترك أتباعه فلا يتصف به فيصير المعنى انتهوا عن اتباع الهوى لأحل أن لا يحصل منكم جور، وهذا ما مشى عليه المفسر، من أن العدل بمعنى الجور، فاحتاج إلى تقدير لا، وقال في الكشاف أن العدل ضد الجور، وعليه فليس فيه تقدير لا، ولا يصير المعنى انتهوا عن اتباع الهوى لأجل اتصافكم بالعدل وكل صحيح، والثاني أقرب لعدم لكلفة. قوله: (تحرفوا الشهادة) أي بأن يشهد على خلاف ما يعلم من الدعوى. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً، وأصل تلووا تلويون استثقلت الضمة على الياء، فنقلت للواو قبلها بعد سلب حركتها، فحذفت الياء التي هي لام الكلمة، وحذفت النون للجازم، فصار وزنه تفعوا، وعلى القراءة الثانية حذفت عين الكلمة التي هي الواو الأولى بعد نقل ضمتها إلى اللام، فصار وزنه تفواأ، وفيه إجحاف، لأنه لم يبق إلا فاؤها. قوله: ﴿ أَوْ تُعْرِضُواْ ﴾ أي بأن تنكروها من أصلها، فالعطف مغاير خلافاً لمن قال بالترادف. قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ ﴾ دليل الجواب، والجواب محذوف تقديره يعاقبكم على ذلك لأن الله كان بما تعلمون خبيراً. قوله: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ الخ، ذكر هذه الآية بعد الأمر بالعدل من ذكر السبب بعد المسبب، لأن الإيمان بفعل الطاعات، لأن فعلها يزيد في الإيمان، ولا تكونوا ممن بدل وغير ممن سيأتي ذكرهم والتشنيع عليهم. قوله: (بمعنى الكتب) أي فأل للجنس. قوله: (في الفعلين) أي نزل وأنزل، وفاعل الإنزال هو الله تعالى. قوله: ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ ﴾ أي بشيء من ذلك بأن أنكر صفة من صفات الله أو سب ملائكته، أو أنكر الكتب السماوية، أو سبّ رسله أو أنكر رسالتهم أو لم يصدق باليوم الآخر، فالكفر بواحد من هذه المذكورات كاف في استحقاق الوعيد، لأن الإيمان بكل واحد أصل من أصول الدين. قوله: (بعده) أي بعد رجوعه إليهم من المناجاة. قوله: (أقاموا عليه) أي مدة إقامتهم عليه، ودفع بذلك ما يقال إن ظاهر الآية يقتضي عدم المغفرة لهم ولو تابوا فأفاد أن عدم المغفرة لهم مقيدة بمدة إقامتهم على الكفر، أما إن تابوا ورجعوا عنه فإن الله يقبل توبتهم، قال تعالى:﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾[الأنفال: ٣٨] وخبر كان في الآية محذوف وهو متعلق اللام تقديره لم يكن الله مريداً ليغفر لهم، والفعل منصوب بأن مضمرة بعد هذه اللام لأنها لام الجحود، والفعل تأويل مصدر مفعول لمريد التقدير لم يكن الله مريداً غفران كفرهم.


الصفحة التالية
Icon