قوله: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي يا أيها المؤمنون، والذي نزل هو قوله تعالى:﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾[الأنعام: ٦٨] وهذا نزل بمكة، لأن المشركين كانوا يخوضون في القرآن يستهزؤون به، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، صار اليهود يفعلون مثل المشركين وكان المنافقون يجلسون إليهم، ويسمعون منهم الخوض، ويستهزؤون معهم، فنهى الله تعالى المؤمنين عن مجالستهم والقعود معهم. قوله: (بالبناء للفاعل) أي والفاعل ضمير يعود على الله تعالى، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعوله وهذا على كونه مشدداً، وأن ما دخلت عليه في تأويل مصدر نائب فاعل. قوله: ﴿ يُكْفَرُ بِهَا ﴾ أي إما من غير استهزاء وهو الواقع من المشركين واليهود، أو مع الاستهزاء وهو الواقع من المنافقين. قوله: (أي الكافرين) أي كالمشركين واليهود، وقوله: (والمستهزئين) أي وهم المنافقون، وسموا مستهزئين لقولهم: (إذا خلوا بشياطينهم إنا معكم إنما نحت مستهزؤون). قوله:﴿ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾[الأنعام: ٦٨] أي غير الحديث المتقدم من الكفر والاستهزاء قوله: ﴿ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ﴾ أي مشاركون لهم في الإثم، قال بعضهم: وَسَمعكَ صَنّ عَنْ سِمَاعِ القَبيحِ كَصَوْنِ اللِّسَانِ عَنِ النُّطْقِ بِهفَإنَّكَ عِنْدَ سَمِاعِ القَبِيحِ شَريكٌ لِقَائِلِهِ فَانْتَبِهقوله: (في الإثم) أي كفر أو غيره، فالراضي بالكفر كافر، والراضي بالمحرم عاص، وبالجملة فجليس الطائع مثله، وجليس العاصي مثله. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ ﴾ الخ، هذه كالعلة والدليل لقوله: ﴿ إِذاً مِّثْلُهُمْ ﴾.
قوله: (من الذين قبله) أي وهو قوله: (الذين يتخذون الكافرين أولياء) والأحسن أنه نعت ثان للمنافقين. قوله: ﴿ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ ﴾ أي بأن كانت الغلبة للمؤمنين، والخذلان للكفار. قوله: (من الظفر عليكم) أي كما وقع في أحد. قوله: ﴿ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ ﴾ الاستحواذ الاقتدار والاستيلاء. قوله: (فأبقينا عليكم) أي رفقنا بكم ورحمناكم. قوله: (فلنا عليكم المنة) أي فأعطونا نصيباً من الدنيا، فهم لا حظ لهم غير أخذ المال. قوله: (بالاستئصال) دفع بذلك ما يقال إن الكفار بالمشاهدة لهم سبيل على المؤمنين في الدنيا، فأجاب المفسر: بأن معنى ذلك أن الكفار لا يستأصلون المؤمنين ويجاب أيضاً: بأن المراد في القيامة فلا يطالبونا بشيء يوم القيامة، أو المراد سبيلاً بالشرع، فإن شريعة الإسلام ظاهرة إلى يوم القيامة، فمن ذلك أن الكافر لا يرث المسلم، وليس له أن يملك عبداً مسلماً، ولا يقتل المسلم بالذمي.