قوله: ﴿ رَسُولَ ٱللَّهِ ﴾ إن قلت: أنهم لم يعترفوا برسالته! بل كفروا به وقالوا هو ساحر ابن ساحرة. وأجيب: بأنهم قالوا ذلك تهكّماً به، نظير قول فرعون لموسى أن رسولكم الذي أرسل إليكن لمجنون، وقول مشركي العرب في حق محمد: يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. وأجيب أيضاً: بأنه من كلامه تعالى مدحاً له وتنزيهاً له عن مقالتهم، فيكون منصوباً بفعل محذوف، أي أمدح رسول الله. قوله: (في زعمهم) متعلق بقوله: ﴿ قَتَلْنَا ﴾ والمناسب حذفه لأن تكذيبهم في القتل معلوم من قول بعد: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ ﴾ وفي نسخة في زعمه بالإفراد، ويكون متعلقاً بقوله: ﴿ رَسُولَ ٱللَّهِ ﴾ وهي أولى. قوله: ﴿ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ روي أن رهطاً من اليهود سبوه وأمه! فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بذلك، وكان له صاحب منافق، فقالوا له: اذهب إلى عيسى وأخرجه لنا، فلما دخل دار عيسى ألقى شبهه عليه، ورفع عيسى إلى السماء، فلما خرج إليهم قتلوه. قوله: (بعيسى) متعلق بشبه، وقوله: (عليه) أي الصاحب، وقوله: (شبهه) أي شبه عيسى. قوله: (استثناء منقطع) أي لأن إتباع الظن ليس من جنس العلم. قوله: (مؤكدة لنفي القتل) أي انتفى قتلهم له انتفاءً يقيناً لا شك فيه، فيلاحظ القيد بعد وجود النفي، فهو من باب تيقن العدم لا من عدم التيقن، ومحصله أنه نفي للقيد الذي هو اليقين، والمقيد الذي هو القتل، ويصح أن يكون حالاً من فاعل قتلوه أي ما فعلوا القتل في حال تيقنهم له، بل فعلوه شاكين فيه، وقيل منصوب بما بعد بل من قوله: ﴿ بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ ورد بأن ما بعد بل لا يعمل فيما قبلها. قوله: ﴿ بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ أي إلى محل رضاه وانفراد حكمه وهو السماء الثالثة، كما في الجامع الصغير، أو الثانية كما في بعض المعاريج. قوله: (حين يعاين ملائكة الموت) روي أن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة وجهه ودبره وقالوا له: يا عدو الله أتاك عيسى نبياً فكذبت به، فيقول آمنت بأنه عبد الله ورسوله، ويقال للنصراني: أتاك عيسى نبياً فزعمت أنه الله وابن الله، فيقول آمنت بأنه عبد الله، فأهل الكتاب يؤمنون به، ولكن لا ينفعهم إيمانهم لحصوله وقع معاينة العذاب. قوله: (أو قبل موت عيسى) هذا تفسير آخر وهو صحيح أيضاً، والمعنى أن عيسى حين ينزل إلى الأرض ما من أحد يكون من اليهودي أو النصارى، أو ممن يعبد غير الله إلا من آمن بعيسى، حتى تصير الملة كلها إسلامية.