قوله: ﴿ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ قيل سبب نزولها أن مسكيناً وعدي بن زيد قالا: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء من بعد موسى، وقيل هو جواب لقولهم: (لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتاباً من السماء جملة واحدة) فالمعنى أنكم تقرون بنبوة نوح وجميع الأنبياء المذكورين في الآية ولم ينزل على أحد من هؤلاء كتاباً جملة مثل ما أنزل على موسى، فقدم إنزال الكتاب جملة ليس قادحاً في نبوتهم، فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ كَمَآ أَوْحَيْنَآ ﴾ يحتمل أن تكون ما مصدرية، والمعنى كوحينا، وأن تكون اسم موصول والعائد محذوف، والتقدير كالذي أوحيناه أي في الأحكام التي أوحيناها إلى نوح الخ. قوله: ﴿ إِلَىٰ نُوحٍ ﴾ قدمه لأنه أول نبي أرسله الله لينذر الناس من الشرك، وعاش ألف سنة وخمسين عاماً وهو صابر على أذى قومه، لم يشب فيها ولم تنقص قواه، وهو أول الأنبياء أولي العزم، وكان أبا البشر بعد آدم لانحصار الناس في ذريته. قوله: ﴿ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ خصه بعد نوح، لأن أكثر الأنبياء من ذريته وهو ابن تارخ، وقيل هو آزر، وقيل هو أخوه فآزر عم إبراهيم. قوله: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ كان نبياً ورسولاً بمكة، ثم لما مات نقل إلى الشام. قوله: ﴿ وَإسْحَاقَ ﴾ كان رسولاً بالشام بعد إسماعيل ومات بها. قوله: ﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾ هو إسرائيل، ثم يوسف ابنه، ثم شعيب بن نويب، ثم هود بن عبد الله، ثم صالح ابن آسف، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم أيوب، ثم الخضر، ثم داود بن أيشا، ثم سليمان بن داود، ثم يونس بن متى، ثم الياس، ثم ذو الكفل، وكل نبي ذكر في القرآن فهو من ولد إبراهيم غير إدريس ونوح وهود ولوط وصالح، ولم يكن نبي من العرب إلا خمسة: هود وصالح واسماعيل وشعيب ومحمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (ابنيه) أي إبراهيم، اسماعيل من هاجر من هاجر وإسحاق من سارة. قوله: (أولاده) أي أولاد يعقوب منهم يوسف نبي ورسول باتفاق وباقيهم فيه اختلاف، والصحيح نبوتهم وليسوا رسلاً مشرعين، ولذلك وقع منهم ما يخالف الشرع الظاهر للمصالح التي ترتبت على تلك المخالفة، وسيأتي ذلك في سورة يوسف. قوله: ﴿ وَيُونُسَ ﴾ أي ابن متى، وفيه لغات ست بالواو والهمزة مع تثليث النون، والذي قرئ به في السبع ضم النون أو كسرها مع الواو، وقوله: ﴿ وَهَارُونَ ﴾ أي أخي موسى. قوله: (اسم للكتاب المؤتى) أي وهو مائة وخمسون سورة، ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، بل هو تسبيح وتقديس وتحميد وثناء ومواعظ، وكان داود عليه السلام يخرج إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور، وتقوم علماء بني إسرائيل خلفه، ويقوم الناس خلف العلماء، وتقوم الجن خلف الناس، والشياطين خلف الجن، وتجيء الدواب التي في الجبال فيقمن بين يديه، وترفرف الطيور على رؤوس الناس هم يستمعون لقراءة داود ويتعجبون منها، لأن الله أعطاه صوتاً حسناً، وقد ورد أن أبا موسى الأشعري كان يقرأ القرآن ليلاً بصوت حسن، فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعجبتني قراءتك الليلة، كأنك مزماراً من مزامير داود، فقال أبو موسى: لو علمت بك لحبرته لك تحبيراً. قوله: (وبالضم) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ ﴾ الخ، هذا رد لقول اليهود للمصطفى عليه الصلاة والسلام: إنك لم تذكر موسى مع ما عددته من الأنبياء، فهذا دليل على عدم رسالتك، فرد ذلك الله بهذه الآية وبما بعدها. قوله: (روي أنه تعالى الخ) هذه الرواية ضعيفة، فلذا تبرأ منها المفسر، والرواية المشهورة أن الأنبياء مائة ألف، وفي رواية مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر أو خمسة عشر، وبعد ذلك فالحق أنه لم يبلغنا عددهم على الصحيح، وإنما هي أحاديث مختلفة تقبل الطعن كما أفاده الأشياخ. قوله: (قاله الشيخ) أي الجلال المحلّي، وقوله: (في سورة غافر) أي في قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾[غافر: ٧٨].
قوله: ﴿ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ ﴾ أي أزال عنه الحجاب فسمع كلام الله، وليس المراد أن الله كان ساكناً ثم تكلم، لأن ذلك مستحيل على الله تعالى. قوله: ﴿ تَكْلِيماً ﴾ مصدر مؤكد لقوله كلم، وإنما أكد رفعاً لاحتمال المجاز، لأن الله كلم موسى بكلامه الأزلي القديم، من غير حرف ولا صوت ولا كيف ولا انحسار، ولا يعلم الله إلا الله.


الصفحة التالية
Icon