قوله: ﴿ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ ﴾ هو وما بعده من عطف الخاص على العام، اعتناء بشأن تلك الأمور. قوله: (بالقتال فيه) سيأتي للمفسر أنه منسوخ بآية براءة، وإن حمل على غير القتال كالظلم مثلاً فليس بمنسوخ، قال تعالى:﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾[التوبة: ٣٦].
قوله: (ما أهدى إلى الحرام) إن حمل على هدايا الكفار فهو منسوخ بقوله تعالى:﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا ﴾[التوبة: ٢٨] وبقوله:﴿ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾[التوبة: ٥] وسبب ذلك" أن رجلاً من ربيعة يقال له الحطم سريح بن هند أتى المدينة وترك خيله وجيوشه، وجاء رسول الله بنفسه، وقد كان أخبرهم النبي به فقال: الوجه وجه كافر والقفا قفا غادر، فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا محمد ما تأمرنا به؟ فقال: " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة "فقال حسن إلا أن لي أمراء لا أقطع أمراً دونهم، ولعلي أسلم وآتي بهم، فلما خرج استاق جملة من غنم أهل المدينة وإبلهم، فلما كان في العام القابل، جاء ومعه تلك الإبل والغنم قد ساقها وهو مع بني بكر، وهم أصحاب حلف للنبي عليه الصلاة والسلام، فأحب أصحاب رسول الله أن يأخذوها منه، فنزلت الآية. قوله: (أي فلا تعترضوا لها) أي للقلائد، وهي ما قلد به من شجر الحرم، وقوله: (ولا أصحابها) أي الهدايا المقلدات، والنهي عن التعرض للقلائد مبالغة عن التعرض للهدايا على حد، ولا يبدين زينتهن، لأنه إذا نهى عن إبداء الزينة، فما بالك بالجسم الموضع فيه الزينة، ويحتمل أن معنى قوله أو لأصحابها أي الرجال المقلدين، لأنهم كانوا في الجاهلية إذا أرادوا الخروج من الحرم، قلدوا أنفسهم بخشبة من شجر الحرم فلا يعترض لهم، فتحصل أن المعنى لا تتعرضوا للهدي وإن لم يكن مقلداً، ولا للقلادة من المقلد، بل وللمقلد من الهدايا أو الرجال. قوله: ﴿ آمِّينَ ﴾ أي قوماً آمين. قوله: ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً ﴾ حال من الضمير في آمين. قوله: (وهذا منسوخ) أي قوله: ولا الشهر الحرام، ولا الهدي، ولا القلائد، ولا آمين البيت الحرام. وقوله: (بآية براءة) أي جنسها، إذ الناسخ أكثر من آية، فالمنسوخ ما عدا قوله: ﴿ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ ﴾ فليست منسوخة إن حملت على معالم دينه كما تقدم، وأما إن حملت على شعائر الكفار وإحرامهم، بمعنى لا تبطلوه ولا تهدموه كان أيضاً منسوخاً، وليس في المائدة منسوخ غير هذه الآية. قوله: (أمر إباحة) دفع بذلك ما يقال إن الأمر يقتضي الوجوب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يصطاد. قوله: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ ﴾ هذه الآية نزلت عام الفتح حين تمكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة وأهلها، فنهاهم الله تعالى عن التعرض للكفار بالقتال والإيذاء، والمعنى لا تعاملوهم مثل ما كانوا يعاملونكم به، ولذا ورد أن رسول الله لما دخل مكة قال: " اذهبوا أنتم الطلقاء. أنا قائل لكم كما قال أخي يوسف لإخوته:﴿ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ﴾[يوسف: ٩٢].
وبسبب ذلك صاروا مؤمنين، ولذا قال البوصيري: وَلَوْ أنَّ انْتِقَامَهُ لَهَوَى النَّفْـ ـسَ لَدَامَتْ قَطِيعَة وَجَفَاءوقرأ الجمهور بفتح الياء من جرم الثلاثي واختلفوا في معناه، فقيل معناه لا يكسبنكم، وقيل معناه لا يحملنكم. قوله: (بفتح النون وسكونها) أي فهو مصدر شنئ كعلم فهو سماعي، ومن المادة قول العرب: مشنوء من ينشؤك، أي مبغوض من يبغضك، وقوله تعالى:﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ ﴾[الكوثر: ٣] أي باغضك. قوله: (لأجل) ﴿ أَن صَدُّوكُمْ ﴾ أشار بذلك إلى أنه مفعول لأجله، فهو علة للشنآن، أي لا يحملنكم بغضكم لقوم لأجل صدهم إياكم عن المسجد الحرام. قوله: ﴿ أَن تَعْتَدُواْ ﴾ أي بأن تعتدوا وعلى أن تعتدوا، فمتى أسلموا فهم إخوانكم فلا تتعرضوا لهم. قوله: (فعل ما أمرتم به) قال ابن عباس: البر متابعة السنة. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ في الآية وعيد وتهديد عظيم.