قوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ هذه الآية مرتبة على قوله: (حرمت عليكم الميتة الخ) فلما بين المحرمات سألوا عن الحلال، وصورة السؤال ماذا أحل الله لنا، وروي في سبب نزولها أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه، فأذن له، فلم يدخل، فقال له النبي: قد أذنا لك يا رسول الله، قال: أجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب، فأمر صلى الله عليه وسلم أبا رافع بقتل كل كلب في المدينة ففعل، حتى انتهى إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركه رحمة لها، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بقتله فرجع إلى الكلب فقتله، فجاؤوا إلى رسول الله فقالوا له: ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها، قال: فسكت رسول الله، فنزل ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ﴾ الآية، فعند ذلك أذن رسول الله في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها، وروى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أمسك كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط "، وفي رواية قيراطان، إلا كلب حرث أو ماشية، ويؤخذ هذا الحديث أن قتل غير النافع من الكلاب مندوب، إن لم يكن عقوراً يخشى منه الضرر ولا يندفع إلا بالقتل، وإلا وجب قتله عند مالك. قوله: (المستلذات) أي الشرعية وهي ما لم يثبت تحريمها بكتاب أو سنة، فلا يرد لحم الخنزير مثلاً إذا أتقن طبخه. قوله: ﴿ وَ ﴾ (صيد) ﴿ مَا عَلَّمْتُمْ ﴾ قدره إشارة إلى أن ما معطوف على الطيبات لكن على حذف مضاف، وصيد بمعنى مصيد، ومن الجوارح بيان لما. قوله: ﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ حال أي من التاء في علمتم. قوله: (من كلبت) أي مأخوذ من كلبت. قوله: (أرسلته على الصيد) أي فمعنى مكلبين مرسلين بمعنى قاصدين إرساله احترازاً عما لو ذهبت من غير إرسال وأتى بصيد فلا يؤكل، وفسره غيره بالتعليم، فيكون حالاً مؤكدة لعاملها، وما قاله المفسر أوجه، وإن رد بأنه لا مستند له في ذلك، لأن المفسر حجة، وعبر عن الإرسال بالتكليب، أما إشارة إلى أن ذلك غالب في الكلاب، أو أن الكلب يطلق على ما يصاد بع سبع وطير. قوله: (حال من ضمير مكلبين) أي مؤكدة إن فسر مكلبين بمعلمين، ومؤسسة إن فسر بمرسلين، ويصح أن يكون جملة مستأنفة موضحة لما قبلها. قوله: ﴿ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ من للتبعيض، وقوله: (من آداب الصيد) بيان لما. قوله: ﴿ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ نتيجة قوله: ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ ﴾ وقوله: ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ أي لكم قوله: (بأن لم يأكلن منه) أي فإن أكلن منه فلا يؤكل وهو داخل في قوله ما أكل السبع، وهذا الشرط اعتبره الشافعي، وعند مالك يؤكل، ولو أكل منه الجارح، فإن أدرك حياً فلا بد من ذكائه الشرعية، فقوله: (بأن لم يأكلن) تفسير لقوله: ﴿ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ لأنه إن أكمل منه فليس ممسكاً لصاحبه بل لنفسه، وقد علمت أن هذا التقييد مذهب الشافعي، وسيأتي إيضاحه في آخر عبارة المفسر، قوله: (وعلامتها الخ) ذكر أربع علامات وهي معتبرة في الكلب والسبع، وأما في الطير كالصقر فلا يعتبر فيه إلا قيدان، أن لا يأكل منه، وأنه إذا أرسل استرسل. والحاصل أن المدار عند مالك في الصقر أنه إذا أرسل استرسل، وزاد الشافعي فيه أن لا يأكل مما أمسك، وأما في الكلب والسبع ففيه القيود الأربعة التي ذكرها المفسر، ما عدا الأكل عند مالك قوله: (كما في الحديثين الصحيحين) أي ولكن هذا الحديث لم يأخذ به مالك قوله: (وفيه) أي في الحديث قوله: (وذكر اسم الله عليه) أي وهو سنّة عند الشافعي، وعند مالك واجب مع الذكر والقدرة، وأما النية فلا بد منها لأنها شرط صحة قوله: (كصيد المعلم من الجوارح) ألحق مالك بالسهم ما صيد ببندق الرصاص، لأن قوته تقوم مقام حد السهم. قوله: ﴿ عَلَيْهِ ﴾ اختلف في مرجع الضمير، فقيل عائد على ما علمتم من الجوارح، وإليه يشير المفسر بقوله عند إرساله، وقيل عائد على ما أمسكن عليكم، أي سموا الله إذا أدركتم ذكاته. قوله: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه، حيث بيّن لكم الحلال والحرام قوله: ﴿ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ ورد أنه يحاسب الخلق في قدر نصف يوم من أيام الدنيا. قوله: ﴿ ٱلْيَوْمَ ﴾ يحتمل أن المراد باليوم المتقدم في قوله:﴿ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾وهو يوم عرفة، ويحتمل أن المراد يوم نزولها، ويحتمل أن المراد به الزمن مطلقاً. قوله: (أي ذبائح اليهود والنصارى) أي إن ذبح ما هو حل لهم في شرعنا، ولم يذكر اسم غير الله عليه وتؤكل ذبائحهم، ولو غيروا اليهودية بالنصرانية وعكسه عند مالك، واشترط الشافعي عدم التغيير والتبديل. قوله: ﴿ وَطَعَامُكُمْ ﴾ (إياهم) أي بمعنى إطعامكم إياهم، ومعنى (حل لهم) أي لا يحرم عليهم بشرعهم، ولا يحرم علينا أن نطعمهم من ذبائحنا. قوله: ﴿ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ﴾ أي الحرائر منهن، وأما الإماء فتقدم أنهن حل بالشروط. قوله: (الحرائر) أي وأما الإماء فلا يحل نكاحهن إلا بالملك، وأما حرارئنا فلا يحل لهم نكاحهن، بل ولا إماؤنا، فتحصل أن طعامنا حل لهم، وطعامهم حل لنا، ونساؤهم حل لنا، ونساؤنا لسن حلالهم. قوله: ﴿ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ بيان للأكمل، واحترز عن الدخول على إسقاطه فلا يحل، والظرف متعلق بالخبر المحذوف الذي قدر المفسر بقوله حل لكم. قوله: ﴿ مُحْصِنِينَ ﴾ حال من ﴿ ءاتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ أي حال كونكم محصنين، وقوله: ﴿ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ ﴾ نعت لمحصنين. قوله: ﴿ أَخْدَانٍ ﴾ جمع خدن وهو الخليل والصاحب الذي يزني بالمرأة سراً. قوله: ﴿ بِٱلإِيمَٰنِ ﴾ الباء بمعنى عن، والكفر بمعنى الردة، أي يرتد عن الإيمان. قوله: ﴿ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ (الصالح) أي والسيء إن عاد للإسلام بمعنى بطل كل منهما، فلو عاد للإسلام فلا عقاب عليه في السيء، ولا ثواب له في الصالح، والمرتد لا يقضي الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة، إذا فاته جميع ذلك في زمن الردة أو قبل زمنها ما لم يرتد بقصد إسقاط ذلك، ولا يقضي إلا ما أسلم في وقته لعموم آية﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾[الأنفال: ٣٨] عند مالك، وعند الشافعي يقضي جميع ذلك، وأما الحج فوقته وهو العمر باق فيقضيه. قوله: (إذا مات عليه) أي الكفر وهو راجع لقوله: ﴿ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ لا لما قبله، فإنه يحبط عمله زمن الردة مطلقاً، مات على الكفر أو الإسلام.